قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله) [2/4] وفي تلك ...

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله)
[2/4]

وفي تلك الأثناء كان جنود الدولة الإسلامية في الشام قد صارت لهم شوكة وانتشار واسع، ومع أخبار الفتوحات والانتصارات كانت التقارير الواردة من الشام إلى العراق لا تبشّر بخير، وخاصّة فيما يتعلق بانحراف القائمين على العمل هناك عن منهج الدولة الإسلامية، وسعيهم المبكر لاسترضاء طوائف الشرك والردّة، وسوء إدارتهم، وقوة العصبيات العشائرية والمناطقية داخل الصف، ما يهدّد فعليا بانهيارها أو اختطافها من قبل زمرة من الخونة المتآمرين.

فقرّر أمير المؤمنين إيفاد من ينوب عنه للاطلاع على حقيقة الوضع، والتأكد من صحة التقارير، فوقع اختياره على الشيخ أبي علي لأداء هذه المهمّة لعدّة أسباب، على رأسها معرفة الشيخ بالجولاني في مرحلة سجنه، حيث كان معه في بعض الفترات، وكان ذلك الماكر يظهر له التقدير والاحترام داخل السجن وبعده، إلى درجة أنه كان يخاطبه في رسائله إليه بصيغة (والدي العزيز)، والشيخ يحسن به الظن، ويرى أن الشهادات ضده من جنس الخصومات التي تنشأ كثيرا بين الجنود وأمرائهم، أو بين الأقران من الأمراء.

فدخل الشيخ أبو علي الأنباري -تقبله الله- إلى الشام عابرا الحدود المصطنعة، وكانت رحلته تلك من النعم التي أنعم الله بها على الدولة الإسلامية، إذ قام فور وصوله بجولة استغرقت أسابيع عديدة على مختلف المناطق والقواطع في الشام، ورأى بأم عينيه حجم الأخطاء المرتكبة في إدارة العمل، وتعرّف على طبيعة الانحرافات المنتشرة لدى أفرادها وأمرائها، التي سببها الأساسي إهمال جانبي التربية والعلم الشرعي من قبل القائمين على العمل، ولكنه -رحمه الله- كان يرى أن هذه الأخطاء مما يمكن إصلاحه بمزيد من الجهد، ثم كانت الفرصة الكبرى لكشف بواطن الأمور عندما قرر الشيخ أن يقيم في نفس مقر الجولاني، ليكون لصيقا له فترة من الزمن فيدرس عن قرب شخصيته ويعرف كيفية إدارته للأمور، فكشف الله له خلال شهر أو أقل الكثير من الحقائق، وكان ذلك سببا في صيحة النذير التي أرسلها إلى أمير المؤمنين أن يتدارك الوضع في الشام قبل أن تفلت الأمور من زمامها، فأرسل الرسالة التي فضح الله بها حقيقة الغادر الجولاني، ووصف فيها مشاهداته عنه، وتقييمه الدقيق لشخصيته، وكان مما جاء فيها وصفا للجولاني:

«شخص ماكر، ذو وجهين، يحبّ نفسه ولا يبالي بدين جنوده، وهو على استعداد لأن يضحي بدمائهم ليحقق له ذكرا في الإعلام، يطير فرحا كالأطفال إذا ذُكر اسمه على الفضائيات...».

وقد كانت هذه الرسالة السبب الرئيس في قدوم أمير المؤمنين بنفسه إلى الشام، فليس الشيخ أبو علي عنده بالمكذَّب، وهو مبرّأ من تنافس الأقران، وخلافات الجنود مع أمرائهم، فعبر الحدود رغم المخاطر الكبيرة عليه ليجده في انتظاره على الجهة الأخرى يطلب الإذن بالعودة إلى العراق بعد انتهاء مهمّته، ورغبة عمّا عايشه من وضع سيء للجهاد في الشام، ولكن أمير المؤمنين أبى ذلك واستصحبه معه في رحلته، ليكون عونا له في إصلاح الأخطاء التي ارتكبها الجولاني وزمرته، ويكون يداً له في التغيير.

لم تنجح محاولات الجولاني وزمرته في تقييد حركة أمير المؤمنين بعد وصوله إلى الشام بزعمهم الحرص على سلامته، فكانت جولات قليلة على الجنود، ولقاءات معدودة بالأمراء كافية ليحسم أمير المؤمنين القضية، ويتأكد أن القائمين على العمل قد أفسدوا الأمر، وأنهم يعملون لخدمة أنفسهم وحظوظها، الأمر الذي انعكس سلبا على الاهتمام بالجنود والعلاقة بهم، فاستدعى الجولاني وزمرته ليجتمع بهم ويسمع تبريراتهم لما تأكد بحقّهم من أخطاء، فكان ذلك المجلس المشهور، الذي كانت فيه مسرحية بكاء الماكر الجولاني، وإصرار الدجّال الهراري على تجديد البيعة، واستجابة شركائه للدعوة، وقيامهم فردا فردا بتجديد البيعة لأمير المؤمنين، أملا في اكتساب مزيد من الوقت ليكملوا فيه مشروعهم بشق الصف، والاستحواذ على ما استؤمنوا عليه من الرجال والأموال.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
الثلاثاء 12 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله) [1/4] من آيات ...

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله)
[1/4]

من آيات حفظ الله للجهاد في العراق أن حفظ كثيرا من قادته بعد أن كاد بهم الصليبيون وأعوانهم، فأودعوهم السجون والمعتقلات وعرّضوهم لبطش الطواغيت ليتخلصوا منهم، ليخرج بعد ذلك بتقدير الله مِن هؤلاء مَن يقيم الدين ويرفع الله به راية الجهاد.

فلا يلبث هؤلاء أن يعودوا إلى ساحات الجهاد، فيحيي الله بهم جبهات القتال، وينقلوا إلى إخوانهم خبرات سنين في التعامل مع أصناف المشركين والمرتدين، ويرفع الله بهم الهمم، ويثبّت بهم الأقدام.

ومن الذين منّ الله على الدولة الإسلامية بخروجهم من الأسر الشيخ المجاهد أبو علي الأنباري، تقبله الله.

فبعد ست سنين من الأسر في معتقلات الصليبيين والروافض، خرج الشيخ من محبسه، وإذا الحال غير الحال الذي شهده قبل دخوله السجن.

فالصليبيون قد تركوا حكم العراق لأذنابهم من مشركي الرافضة بعد أن أثخنتهم الجراح وأنهكتهم التكاليف، والمجاهدون منحازون في الصحاري والقفار بعد زمن من العزّ والتمكين، أعلنوا فيها دولتهم، وبايعوا فيها إمامهم، فيما الفصائل قد ذابت واندثرت تماما، بعد أن سقط أغلبها في فتنة الصحوات، وأحبطوا كل أعمالهم بوقوعهم في الردّة الصريحة، وأنظمة حكم الطواغيت باتت تتساقط في عدة دول لتأذن بمرحلة جديدة من مراحل التمكين لدين الإسلام، مفتاحها مشاركة مجاهدي الدولة الإسلامية في قتال طاغوت الشام بشار الأسد.

خرج الشيخ من سجنه فوجد إخوانه الذين كانوا معه في (مجلس شورى المجاهدين) في انتظاره ليأخذ مكانه من جديد في صفوف (دولة العراق الإسلامية) التي بلغه نبأ قيامها وهو في الأسر، وكان أميرا لجنودها ومعلما ومرجعا لهم في السجون التي تنقل بينها، فجدّد البيعة لأمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي -حفظه الله- بعد أيام قليلة من خروجه، وانطلق يخدم دولة الإسلام جنديا من جنودها، لا يبالي بتاريخه القديم، ولا بقدره عند تلاميذه أو أقرانه، ولا حتى بما حازه من علم وتجارب، بل وضع نفسه تحت تصرف إخوانه ممّن كان كثير منهم تحت إمرته قبل السجن وأثناءه، ولم يكن إخوانه ليكفروا العشير، ولا لينكروا المعروف، ولا ليجهلوا مقادير الرجال، وقيمة العلماء المجاهدين، فأنزلوه المنزل الذي يليق بأمثاله، وسعوا ليستفيدوا من علمه وتجربته خير استفادة.

فكانت أولى المهام الملقاة على عاتقه الاتصال بالجماعات المقاتلة خارج العراق وخاصة أفرع (تنظيم القاعدة) في العالم، ليفتح معهم قناة للتواصل بعد انقطاع دام سنين، بسبب الظروف الأمنية، وبسبب ما جرى من القائمين على التنظيم من تهجم على الدولة الإسلامية ظنّه الإخوة وليد جهل بالحال، بسبب حجم التشويه الإعلامي لسمعة الدولة الإسلامية، فأرسل الشيخ أبو علي إليهم عدة رسائل يوضح لهم بعض القضايا التي كان يظنّها أشكلت عليهم، وهو يحسب نفسه يخاطب أقواما على منهج الشيخ الزرقاوي -تقبلّه الله- الذي عرفه ورضي منهجه وبايعه على ذلك الأساس، فكانت تلك الرسائل بدايةً لعودة الاتصال بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة وفروعها.

وفي تلك الأثناء كان جنود الدولة الإسلامية في الشام قد صارت لهم شوكة وانتشار واسع، ومع أخبار الفتوحات والانتصارات كانت التقارير الواردة من الشام إلى العراق لا تبشّر بخير، وخاصّة فيما يتعلق بانحراف القائمين على العمل هناك عن منهج الدولة الإسلامية، وسعيهم المبكر لاسترضاء طوائف الشرك والردّة، وسوء إدارتهم، وقوة العصبيات العشائرية والمناطقية داخل الصف، ما يهدّد فعليا بانهيارها أو اختطافها من قبل زمرة من الخونة المتآمرين.

فقرّر أمير المؤمنين إيفاد من ينوب عنه للاطلاع على حقيقة الوضع، والتأكد من صحة التقارير، فوقع اختياره على الشيخ أبي علي لأداء هذه المهمّة لعدّة أسباب، على رأسها معرفة الشيخ بالجولاني في مرحلة سجنه، حيث كان معه في بعض الفترات، وكان ذلك الماكر يظهر له التقدير والاحترام داخل السجن وبعده، إلى درجة أنه كان يخاطبه في رسائله إليه بصيغة (والدي العزيز)، والشيخ يحسن به الظن، ويرى أن الشهادات ضده من جنس الخصومات التي تنشأ كثيرا بين الجنود وأمرائهم، أو بين الأقران من الأمراء.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
الثلاثاء 12 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

فقد حكم اليهود على صحة منهج ودعوة بناءً على نتيجة معركة، كما هو حال أهل النفاق اليوم، الذين يغمزون ...

فقد حكم اليهود على صحة منهج ودعوة بناءً على نتيجة معركة، كما هو حال أهل النفاق اليوم، الذين يغمزون ويلمزون إن انحاز مجاهدو الخلافة من مكان، بينما يخنسون إن حقق المجاهدون نصراً على أعدائهم في أكثر من مكان، متناسين أنَّ النصر هو بالثبات على المبدأ والعزم القوي على جهاد الأعداء وقبل ذلك التوحيد والقرآن الذي في صدور المجاهدين، الذين لا ينهزمون إلا إن انتُزع منهم، كما صرَّح بذلك الشيخ العدناني حفظه الله، وإن كان معيار الهزيمة كثرة القتل والجراح فلنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة يوم أحد ثم بئر معونة على رأس أربعة أشهر من أحد وقُتل فيها غدرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- القراء سبعون قارئا، رضي الله عنهم وتقبلهم، ثم سرية عاصم بن ثابت -رضي الله عنه- التي أفنيت عن آخرها وكانوا عشرة رجال من خيرة أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ووقع بعضهم أسيراً بيد قريش ثم قُتلوا.

وإن كان المعيار هو أخذ الأرض ومحاصرة المسلمين في معاقلهم فقد حوصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في معقله بالمدينة ولم يكن للمسلمين يومئذ دار غيرها، وواجه المسلمون هذا التحالف العربي اليهودي من قريش وغطفان واليهود في أكثر من عشرة آلاف مقاتل، واجهوه بعزم وثبات كان لهم نصراً حققوه قبل بداية المعركة يوم الأحزاب في شوال سنة خمس من الهجرة.

قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، وفي ظل هذه الشدة وهذا التمحيص نجم النفاق مرة أخرى، وأظهر المنافقون ما كانوا يسرون في قلوبهم.
قال ابن كثير في السيرة: «ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!».
وهنا أيضا ترى النظرة القاصرة للحدث إذ رأوا بعين غفلتهم أنَّ الأمور قد حُسمت والدائرة للمشركين، فماذا بعد أن يُحاصر معقل المسلمين في المدينة بأكثر من عشرة آلاف مقاتل؟ ومن ذا الذي يقدر على هزيمتهم؟ وهو ذات الحكم الذي استنبطوه يوم أحد، متناسين مرة أخرى أو متجاهلين وعد الله بأن العاقبة للمتقين، وفعلا كانت هذه الحملة آخر حملات قريش، وبعدها بثلاث سنين كان فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، فهذه هي حسابات النصر وهذه هي معاييره كما في سيرة خير البشر، صلى الله عليه وسلم، وجنود الخلافة اليوم يسيرون على المنهاج ذاته والعاقبة والنصر لهم -بإذن الله تعالى- مهما كثرت الجراح، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 41
الثلاثاء 28 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
...more

الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ينظر كثير من المسلمين إلى النصر والهزيمة على ...

الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح


ينظر كثير من المسلمين إلى النصر والهزيمة على أنَّهما معياران لصحة المنهج أو بطلانه ولا ينظران إليهما في السياق العام للمعركة بين الحق والباطل، التي يُمحِّص الله فيها أهل الإيمان ثم تكون العاقبة لهم بإذن الله، ويتناسون أنَّ الثبات على المبدأ وصلابة العزم على مواصلة قتال أعداء الله هما من معايير النصر الحقيقية إن توفرت في الجماعة المؤمنة، وهذه غزوة أحد وما بعدها خير شاهد، فحين كثر القتل والجراحات في صفوف المسلمين وأعلنت قريش بعد ذلك انتصارها وأشاعت أنها ستغزو المسلمين من جديد حتى تبيدَ خضراءهم، لم توهن هذه الإشاعات صلابة عزيمتهم ونهض المسلمون من جراحهم عازمين على إعادة الكرّة مع قريش، فلم تكن الابتلاءات دليلا على بطلان المنهج بل كانت صقلا وتمحيصا، وكان موقفهم من حشد قريش الجديد هو النصر بحد ذاته.

فبعد أن عصى الرماة في الجبل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزلوا منه رغبة في جمع الغنائم تاركين ثغرةً تَسلَّل منها المشركون فأمعنوا في جيش المسلمين قتلا وإصابة حتى قُتل من الصحابة -رضي الله عنهم- سبعون، من بينهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، وبينما يلملم المسلمون جراحهم جاءتهم الأخبار أنَّ قريشاً تحشد من جديد مستغلة ما حققته يوم أحد.

ذكر ابن كثير في السيرة أنه «قدم رجل من أهل مكة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن أبي سفيان وأصحابه فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون ويقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا أصبتم شوكة القوم وحدهم ثم تركتموهم ولم تبتروهم فقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبهم أشد القرح بطلب العدو ليسمعوا بذلك وقال: (لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال)، فقال عبد الله بن أُبي: أنا راكب معك! فقال: (لا)، فاستجابوا لله ولرسوله على الذي بهم من البلاء فانطلقوا، فقال الله في كتابه: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، قال: وطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العدو حتى بلغ حمراء الأسد».

«وقال محمد بن إسحاق في مغازيه: وكان يومُ أُحُد يومَ السبت النصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذَّن مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه: ألا يخرجن أحد إلا من حضر يومنا بالأمس... قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهى من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء...»، وكانت قريش بالروحاء، «فمرَّ بهم ركب من عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة. قال: ولم؟ قالوا نريد الميرة. قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيباً بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل» [السيرة لابن كثير].

وقد كان قول المشركين هذا من باب الحرب الإعلامية ليوهنوا جيش المسلمين، إذ أنَّ قريشاً لما بلغها خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد عزمت على الرجوع إلى مكة، ولكن هذه الحرب الإعلامية لم تنفع مع المسلمين بل قالوا: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وقد سجلت آيات القرآن هذا الموقف العظيم، قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{ [آل عمران: 172-175] ثم عاد المسلمون إلى المدينة بعد ذلك.

وقد حاول المنافقون واليهود كما هو حالهم في كل زمان ومكان أن يستغلوا هذا الموقف فقالت اليهود: «لو كان نبيا ما ظهروا عليه ولا أصيب منه ما أصيب، ولكنه طالب مُلك تكون له الدولة وعليه»، وقال المنافقون مثل قولهم، وقالوا للمسلمين: «لو كنتم أطعتمونا ما أصابكم الذين أصابوا منكم»، فأنزل الله القرآن في طاعة من أطاع ونفاق من نافق وتعزية للمسلمين -يعني فيمن قُتل منهم- فقال: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121].
...more

موقف المسلم من الكفر وأربابه في كل عصر يبنغي للمسلم أن يزيد يقينه بهزيمة الكافرين وزوال ملكهم ...

موقف المسلم من الكفر وأربابه في كل عصر

يبنغي للمسلم أن يزيد يقينه بهزيمة الكافرين وزوال ملكهم وسقوط عروشهم، وقد أمر الله تعالى نبيه أن يقول لليهود بعد بدر لما تفاخروا بقوتهم: ﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

وهذا هو موقف المسلم من الكفر وأربابه في كل زمان، فقولوا لترامب وإدارته ستغلبون وتحشرون إلى جهنم، قولوا لنتنياهو وجيشه ستغلبون وتحشرون إلى جهنم، قولوا للخميني وقطعانه وبوتين وفيالقه ستغلبون وتحشرون إلى جهنم، هذا أمر الله تعالى وحكمه ووعده، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

بهذه النفسية الإيمانية ينبغي للمؤمن أن يحيا، هكذا يستعلي المؤمن بإيمانه على أمم الكفر والباطل، والواجب على دعاة التوحيد وطلابه أن يغرسوا هذه المعاني في نفوس العامة وأن يقرعوها في مسامعهم ويقدموا بين أيديهم آي القرآن ونصوصه البينة القاطعة، فلقد أهمل الناس
القرآن تدبّرا ويقينا، كما عطلوه حُكما وتشريعا.

افتتاحية النبا ٤٦٩
...more

دين الإسلام وجماعة المسلمين (3) [2/2] وهذه النعمة التي يتنعم بها الآن تستوجب عليه الشكر ...

دين الإسلام
وجماعة المسلمين (3)

[2/2]
وهذه النعمة التي يتنعم بها الآن تستوجب عليه الشكر ظاهرا وباطنا، سرا وعلانية، بين الخاصة والعامة، فلا يترك أهل بيته دون تذكيرهم بها، ولا يترك أصحابه دون التحدث بها، ولا يترك العوام دون إفشائها بينهم، فيثني على الله الذي قضى هذه النعمة وقدرها له ومن عليه بها، ويحمده سبحانه عليها، فلا حول ولا قوة إلا بالحي القيوم، ثم يدعو للسابقين من الأمراء والجنود -خاصة الشهداء منهم- كالشيخ أبي مصعب الزرقاوي والشيخ أبي حمزة المهاجر والشيخ أبي عمر البغدادي والشيخ أبي بكر العراقي والشيخ أبي عبد الرحمن البيلاوي والشيخ أبي المعتز القرشي والشيخ أبي علي الأنباري والشيخ عمر الشيشاني -تقبلهم الله- نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله.
بل لو سهر الرجل الليالي كما فعل الإمامان الفضيل وسفيان -في تعداد نعم الله عليه بالخلافة وآثارها- لكان قليلا، {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفارٌ} [إبراهيم: 34].

ومن نعم الله على الموحد المجاهد أن أحياه إلى هذا الزمن حتى جدد الله بجهاده الخلافة وجعله من حراسها المرابطين بثغورها، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «واعلموا -أصلحكم الله- أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيرا، أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يجدد الله فيه الدين ويحيي فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم، فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله، وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة، حتى -والله- لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار -كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم- حاضرين في هذا الزمان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين، ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته وسفه نفسه وحرم حظا عظيما من الدنيا والآخرة» [الفتاوى].

فهي نعمة ونعمة ونعمة ونعمة، نعمة الإسلام ونعمة الجماعة ونعمة الجهاد ونعمة الشهادة إن شاء الله تعالى.

ومن كفران هذه النعمة: الاعتزال، والعصيان، والتناجي، والإشاعة، وإساءة الظن، وازدراء الأمير، ونكث العهد، والسعي في الفتنة والفساد، والإباق إلى دار الكفر، والتعصب للاجتهاد والرأي والهوى، والبغي، والخروج، وتكفير جماعة المسلمين وأئمتهم وعامتهم، وقد أحسن أئمة الدولة الإسلامية في تحذيرهم من هذه المهالك، كما في «واعتصموا» للشيخ الزرقاوي، و»الوصية الثلاثينية» للشيخ أبي حمزة المهاجر، و»إنما شفاء العي السؤال» للشيخ ميسرة الغريب -تقبلهم الله- ومن أورد هذه المخاطر وأصر على ضلاله، فلا يلومن إلا نفسه إن حرم الله عليه نعمة الإسلام جزاء كفرانه لنعمة الجماعة، وقال جل وعلا: {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب} [البقرة: 211]، وقال: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديدٌ} [إبراهيم: 7].

ومن أسوأ كفران النعمة، نسبة النعمة إلى النفس وجهدها، {فإذا مس الإنسان ضرٌ دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته علىٰ علمٍ بل هي فتنةٌ ولٰكن أكثرهم لا يعلمون} [الزمر: 49]، وإمام هذا الكفران العظيم ومسن هذه السنة السيئة هو الهالك قارون الذي خسف الله به وبداره الأرض.
وأما السنة الحسنة، فهي معرفة العبد أن جميع ما يتنعم به من نعم الدنيا والدين فمن الله وحده لا شريك له، لا بحول العبد ولا بقوته، وقد روي أن داود -عليه السلام- قال: «يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي، ثم ترزقني على النعمة، ثم تزيدني نعمة نعمة، فالنعم منك يا رب، والشكر منك، فكيف أطيق شكرك يا رب؟» فأوحى الله إليه: «الآن عرفتني يا داود حق معرفتي»، وروي أيضا أنه قال: «إلهي، كيف لي أن أشكرك، وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟» فأوحى الله إليه: «يا داود، ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟» قال: «بلى، أي رب»، قال: «فإني أرضى بذلك منك شكرا» [الزهد للإمام أحمد بن حنبل].

ومما يثبت هذه المعرفة والحقيقة في قلب العبد، تدبره لآيتين من كتاب الله، جل وعلا: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [الحجرات: 17]، و{ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهٰذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} [الأعراف: 43].
اللهم كما مننت علينا بالإسلام والجماعة في الدنيا، فمن علينا برؤيتك ورضاك في الآخرة.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

دين الإسلام وجماعة المسلمين (3) [1/2] آيتان في كتاب الله -جل وعلا- لا يُعرض عن تدبّرهما ...

دين الإسلام
وجماعة المسلمين (3)

[1/2]
آيتان في كتاب الله -جل وعلا- لا يُعرض عن تدبّرهما وتأويلهما مَن مَنَّ الله عليه بنعمة من عنده إلا كان إعراضه حسرة عليه في الدنيا والآخرة، قال الله، جل وعلا: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، وقال جلّ وعلا: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].

قال الربيع رحمه الله في تأويل قوله {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}: «أخبرهم موسى -عليه السلام- عن ربه -عز وجل- أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم في الرزق وأظهرهم على العالمين»، وقال سفيان الثوري، رحمه الله: «{لَئِنْ شَكَرْتُمْ} هذه النعمة أنها مني {لَأَزِيدَنَّكُمْ} من طاعتي»، وقال قتادة، رحمه الله: «حق على الله أن يعطي من سأله ويزيد من شكره والله منعم يحب الشاكرين فاشكروا لله نعمه»، وقال جعفر الصادق، رحمه الله: «إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها»، ورُوي مرفوعا: (من أُلهم الشكر لم يُحرم الزيادة).

وأوّل السلف رضي الله عنهم ورحمهم النعمة في قوله {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بأنها القرآن العظيم ونبوّة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل الصالح وإصابة الخير، فهي شاملة لنعمة الدنيا والآخرة، إلَّا أن أعظم نعم الله على الإنسان هدايتُه إلى الإسلام، فبغير هذه النعمة (السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام لله) يكون صدره ضيقا، ومعيشه ضنكا، وسعيه في ضلال، ثم لا يكلّمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم، فيخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما نعمة الجماعة، نعمة الاستخلاف في الأرض، نعمة التمكين للدين، فبغيرها يستضعف المرء ويبتلي ويفتن وتأكله الذئاب ثم يموت ميتة جاهلية، والعياذ بالله.

وأما قوله {فَحَدِّثْ}، فقال عمر بن عبد العزيز، رحمه الله: «إنّ ذِكر النعمة شُكر»، وقال الجريري ويحيى بن سعيد، رحمهما الله: «كان يُقال: إن تعداد النعم من الشكر»، وقال قتادة، رحمه الله: «مِن شُكر النعمة إفشاؤها»، وقال الفضيل بن عياض، رحمه الله: «كان يُقال: مِن شُكر النعمة أن يُحدّث بها»، وقال الحسن بن علي، رضي الله عنهما: «إذا أصبت خيرا فحدّث إخوانك»، وقال أبو نضرة، رحمه الله: «كان المسلمون يرون أن مِن شُكر النعمة أن يُحدّث بها»، وقال ابن أبي الحواري، رحمه الله: «جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى الصباح يتذاكران النعم، فجعل سفيان يقول: أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، فعل بنا كذا، فعل بنا كذا»!
ورُوي مرفوعا: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب)، و(من أُبلي بلاءً -أي: من أُنعم نعمةً- فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره، ومن تحلّى بما لم يُعط فإنه كلابس ثوبي زور)، و(من أُعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليُثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره).

الله أكبر، كم على الموحد المجاهد أن يشكر ربّه على ما أنعم به عليه بالإسلام والجماعة! فلولا الله، لكان عابدا لطواغيت القصور والقبور، ولولا الله، لكان متّبعا لعلماء الطواغيت ودعاة الجهمية، ولولا الله، لكان مخنّثا ديّوثا قاعداً مع الخوالف، ولولا الله، لكان مقيماً في دار الكفر بين ظهراني الشُّرط والقُضاة والعرفاء والجواسيس والعساكر وغيرهم من المرتدين أو بين ظهراني اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة وغيرهم من الكافرين، ولولا الله، لكان من البغاة أو الخوارج أو غيرهم من أهل الفرق والبدع والضلال.

فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وكم كان الاستضعاف والفتنة والابتلاء شديداً على الموحد المجاهد قبل نعمة الجماعة! فلا مدارس ليدرّس أبناءه فيها، ولا علماء ليطلب العلم عندهم، ولا محاكم ليتحاكم إليها -فهو موحّد، يكفر بمحاكم الطواغيت- ولا مساكن ليسكن فيها آمنا مطمئنا، ولا ديار يلتجئ إليها من الطواغيت ولا معسكرات ليعدّ العدة فيها إلا في الكهوف أو الغابات أو الصحاري بعيدا عن فريضة الجماعة بمفهومها السلفي، أي: الخلافة.

وكان إذا أظهر ملّة إبراهيم بين ظهراني الكافرين والمرتدين ودعا إليها أو سعى في الإعداد والجهاد لإرهاب الأعداء، نام وهو لا يدري أيصبح في البيت مع أهل بيته أم في زنزانة مظلمة تحت الأرض؟.

هكذا كانت حياته، ثم أنعم الله عليه بالجماعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

أبو يوسف الكرّار منفذ أول عملية استشهادية في ألمانيا استُنفر فنفر... واستُنصر فنصر [1/2] لا ...

أبو يوسف الكرّار
منفذ أول عملية استشهادية في ألمانيا
استُنفر فنفر... واستُنصر فنصر

[1/2]

لا يمكن لمن عرف التوحيد أن يطيق العيش بين المشركين مسالما لهم، ولا لمن عرف الجهاد، وجاهد في سبيل الله مخلصا أن يطيب له القعود بعيدا عن ساحات الجهاد، ولا لمن عاشر الموحدين المجاهدين في سبيل الله أن يستبدل بهم أنيسا من البشر، فتراهم يرجون أن يموتوا على ما عليه أهل الجهاد، فقد عرفوا عظم ثوابه، وذاقوا حلاوته التي لم يجدوا مثلها في متاع الدنيا الزائل. ومن هؤلاء الاستشهادي البطل أبو يوسف (محمد دليل) تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا من عباده.

تعلّق قلبه بالجهاد مبكّرا، وأعانه الله على النفير، فالتحق بمجاهدي دولة العراق الإسلامية، وبقي بينهم شهورا، ثم رجع إلى مسقط رأسه في مدينة حلب قبل أن يُفضَح أمرُ غيابه وتبحث عنه مخابرات النصيريين، فعاد ليسكن في منزله في حي (حلب الجديدة) ويعمل في دكان لوالده، دون أن يلفت الأنظار، وساعده في ذلك -بعد لطف الله به- ما اعتاد عليه من الاحتياط والحذر واتخاذ ما يستطيع من الإجراءات الأمنية.

ومع بدايات الجهاد في الشام ضد النصيرية، شكّل مع بعض رفاقه خلية أمنية جهادية، تخصصت بإلقاء القنابل والزجاجات الحارقة على مقرات النظام النصيري، واستهداف آليات جنوده وعناصر أمنه، ثم تنقّل بين عدد من الفصائل المقاتلة، لكنه لم يستطع البقاء في صفوفها لما كان يراه من فساد في عقيدتها وانحراف في أخلاق عناصرها، إذ كيف له أن يرضى بمخالطة هؤلاء وقد خاض تجربة الجهاد مع مجاهدي الدولة الإسلامية، فما كان منه إلا أن يشكّل مع مجموعة من إخوانه كتيبة أرادوا منها أن تكون على منهج أهل السنة والجماعة، وقاتل في صفوفها فترة من الزمن.

مع دخول مجاهدي الدولة الإسلامية إلى الشام، وانطلاق عملهم في مناطقها المختلفة تحت مسمى (جبهة النصرة)، وجد محمد وإخوانه ما كانوا يبغون فانضموا كلهم إلى الدولة الإسلامية، وقاتلوا في جبهات مدينة حلب المختلفة مع مجاهديها، إلى أن قدّر الله له الإصابة بشظايا قذيفة هاون أبعدته عن ساحات المعارك، واضطرته إلى الخروج من البلاد للعلاج.

أعلنت الدولة الإسلامية عن وجودها رسميا في الشام بمسمّاها الجديد (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وحدثت بعد ذلك التطوّرات المتعددة وصولا إلى مرحلة العز والتمكين بالفتوحات الكبيرة، وإعادة الخلافة، وبيعات المجاهدين من مشارق الأرض ومغاربها.

في هذا الوقت كان أبو يوسف يراقب الأحداث من بعيد وهو مقيم في دار الكفر أوروبا، وقد تذكّر الجهاد وعزّه، وعرف أخبار الدولة الإسلامية فازداد حبّاً لها، واشتاق إلى القتال في صفوفها من جديد، ولكن فشلت محاولاته العديدة في العودة إلى الشام للالتحاق بصفوف جيش الخلافة، فقد أُوصدت أمامه بوابات الحدود، فبقي في مكانه يترقّب، متحسّراً على ما فاته من فضل الهجرة، وثواب الجهاد، ولذة العيش تحت حكم الشريعة في دار الإسلام، ولم يجد ما ينصر الدولة الإسلامية من خلاله إلا ساحة الإنترنت، فطفق ينشئ الحسابات، التي يناصر من خلالها التوحيد وأهله، ويذب عن أعراضهم، ويعرّف المسلمين بحقيقة دولة الإسلام، حتى أذن الله أن ينصرها بالأفعال لا بالأقوال.

فوجد ضالته بتنفيذ وصية الدولة الإسلامية لعموم المسلمين باستهداف الصليبيين في عقر دارهم بما استطاعوا، فانطلق يبحث عن وسيلة ينكي بها في أعداء الله في ألمانيا الصليبية، فكان أول خياراته أن يكرّر ما اعتاد فعله في خليته الجهادية الأولى من إلقاء القنابل الحارقة على السيارات والمباني، فلم يحصل على ما يحتاجه من المواد النفطية اللازمة لصنع القنابل الحارقة، وكان من الخطر عليه أن يطلب كميات كبيرة منها دون أن يثير شبهة، لكونه لا يمتلك سيارة، ولأسباب أخرى، فعدل عن موضوع حرق سيارات الصليبيين وبيوتهم بهذه الطريقة البدائية، وانتقل للتخطيط لعمل أكبر وأكثر فاعلية، هو عملية تفجير وسط حشد من الصليبيين، بقنبلة مصنوعة من مواد بسيطة، يستطيع هو إعدادها بنفسه.

فمضى في تنفيذ خطته الجديدة بهمة عالية، وصبر كبير، وجلد في العمل عظيم، واستغرق الأمر منه ثلاثة شهور حتى أكمل تجهيز القنبلة، وصار جاهزا للتنفيذ.

وقد أكرمه الله خلال تلك الفترة بالستر، فلم يُكتَشَف أمره، ولم يشعر به الصليبيون، وأعميت عيونهم عنه، فلم يعلموا به إلا وهو يمسّيهم بفاجعة، ويشعل ليلهم بنار غضبه عليهم.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

أعظم الكرامة للشيخ المجاهد (عبد الله بن محمد الرشود) تقبله الله [2/2] قال ابن تيمية، رحمه ...

أعظم الكرامة
للشيخ المجاهد (عبد الله بن محمد الرشود) تقبله الله
[2/2]

قال ابن تيمية، رحمه الله: «أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه...»، إلى أن قال: «فإنه ما ارتد عن الإسلام طائفة إلا أتى الله بقوم يحبهم يجاهدون عنه، وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، يبين ذلك أنه ذكر هذا في سياق النهي عن مولاة الكفار فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، فالمخاطبون بالنهي عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة» [الفتاوى].

نعم إنها الغربة الغريبة، ومن ملامحها ما ورد في الحديث عن أمامة: (وإن من إدبار هذا الدين أن تجفوَ القبيلة كلها بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا الرجل الفقيه أو الرجلان فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعواناً وأنصاراً)، وحينها تنزل رحمة الله الواسعة على أولئك الغرباء فيعوِّضهم الله في هذه الغربة فضلاً ربانياً وهو مضاعفة الأجور لهم أضعاف أجور بعض الأولين.

ففي الطبراني الكبير عن ابن مسعود -رضي الله عنهم- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنّ من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجرُ خمسين شهيداً منكم).

وهؤلاء القلة هم الطائفة المنصورة، حيث أنَّه ورد عند مسلم عن غير واحد من الصحابة قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المؤمنين حتى تقوم الساعة)، فجعل أَظهرَ صِفةٍ لهم المقاتلة في سبيله، تلك الصفة التي أولتهم محبة الله لهم: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}.

فهنيئاً لك أخي هذه النصوص التي تؤنس غربتك، حينما يستأنس البطَّالون بنصوص الطواغيت المظلمة التي تعدهم الفقر وتأمرهم بالفحشاء.
ولكن أخي المجاهد: ما موقفك من دروس الزمان وعجائب التغيرات والتقلبات؟ نعم ينبغي لك أن تستلهم من هذه الظروف دروساً نافعة نسأل الله الهدى والسداد، فمن الفوائد ما يلي:

1) الاغتباط بنعمة الثبات:

قال ابن تيمية، رحمه الله: «ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريباً أن المتمسك به يكون في شر بل هو أسعد الناس كما قال في تمام الحديث: (فطوبى للغرباء)، و(طوبى) من الطيب، قال تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}، فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لمّا كان غريباً وهم أسعد الناس وأما في الآخرة فهم أعلى الناس درجة بعد الأنبياء، عليهم السلام)» [الفتاوى].

2) عدم الحزن والضيق من حال الغربة: قال ابن تيمية، رحمه الله:

«وكما أن الله نهى نبيه أن يصيبه حزن أو ضيق ممن لم يدخل في الإسلام في أول الأمر فكذلك في آخره، فالمؤمن منهي أن يحزن عليهم وأن يكون في ضيق من مكرهم، وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تَغيُّر كثيرٍ من أحوال الإسلام جزع وكلَّ وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام» [الفتاوى].

3) الصبر والمصابرة والمرابطة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.

4) الانطراح بباب الغني الرحيم والانكسار بين يديه بالدعاء والاستغفار:

فإن أعظم ما يخذل العبدَ ذنوبُه، ففي الحديث القدسي: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم...)، إلى أن قال: (إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم)، [رواه مسلم].

ومن الأدعية المأثورة: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وكان هذا من أكثر دعاء المعصوم -صلى الله عليه وسلم- ومن الأدعية المأثورة أيضاً: (اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي)، (يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحدٍ من خلقك)، (اللهم إني أسألك اليقين والعافية).

5) الإكثار من حمد الله على نعمه:

فعلى قدر حمدك لله يكون استقرار نعمه وزيادتها فهو وحده المستحق للحمد في الأولى والآخرة فله الحمد ظاهراً وباطناً.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

أعظم الكرامة للشيخ المجاهد (عبد الله بن محمد الرشود) تقبله الله أخي المجاهد: يفرح المؤمن ...

أعظم الكرامة
للشيخ المجاهد (عبد الله بن محمد الرشود) تقبله الله

أخي المجاهد: يفرح المؤمن كثيراً بما قد يجريه الله على يديه من كرامات تحدث له وتحفزه وتذكره بعظيم فضل الله عليه، مع أنه ما كلُّ كرامة هي كرامة في الحقيقة، إذ قد تكون فتنة للعبد واستدراجاً له وغير ذلك، ولكن تبقى كرامة الكرامات التي لا يتطرق إليها احتمال غير الكرامة التي امتن بها ربُّنا -عزّ وجل- على خير خلقه وأحبِّهم إليه نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم.
إنها كرامة لزوم الاستقامة، وعدم تأثره بتضليل وتلبيس المضلين، حيث يقول الله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.

وفي السورة التي تليها يقول -عز وجل- محذراً نبيه من هؤلاء المضلين سعاة الفتنة: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.

ورغم أن المؤمن في كل الأزمان يدرك عظيم هذه الفضيلة إلا أن مؤمن زمان الغربة أشد استيعاباً وإدراكاً لعظيم هذه الكرامة الربانية، لا سيما حينما يرى كثرة المتساقطين حوله دون بلوغ المراد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيزداد المؤمن بهذه المواقف إيماناً واعتباراً، ولجوءاً إلى الله وافتقاراً، وازدراءً لنفسه واحتقاراً.

تماماً كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفعلون.

فترى مثلاً الإمام الراشد الفقيه المسدد المبشَّر بالجنة والنجاة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثير النوحِ على نفسه والخوفِ عليها من موارد النفاق فيقول لحذيفة، رضي الله عنه: «نشدتك الله، هل عدَّني رسول الله من المنافقين؟»
وقال ابن أبي مليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخشى النفاق على نفسه».

فلذلك كانوا -رضي الله عنهم- أحسن الناس عملاً وأكثرهم خوفاً وأشدهم محاسبة لأنفسهم لما استقر في أنفسهم من تعظيم الله ومعرفة استحقاقه من العبادة والخضوع أضعاف أضعاف ما يفعله العباد.

ولهذا الحس الربَّاني في قلوبهم -رضي الله عنهم- جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- منهجهم هو المعيار الذي لا يعتبر غيره ففي الحديث: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) قالوا: «من هي يا رسول الله؟» قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، أو فيما معناه، ولذلك من كان مستناً فليستن بهم -رضي الله عنهم- لاسيما إذا اشتدت غربة الدين وقلّ المساعد والمعين.

غربة الدين... نعم، (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء).

قال ابن تيمية، رحمه الله: «أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه...»، إلى أن قال: «فإنه ما ارتد عن الإسلام طائفة إلا أتى الله بقوم يحبهم يجاهدون عنه، وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، يبين ذلك أنه ذكر هذا في سياق النهي عن مولاة الكفار فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، فالمخاطبون بالنهي عن موالاة اليهود والنصارى هم المخاطبون بآية الردة» [الفتاوى].

نعم إنها الغربة الغريبة، ومن ملامحها ما ورد في الحديث عن أمامة: (وإن من إدبار هذا الدين أن تجفوَ القبيلة كلها بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا الرجل الفقيه أو الرجلان فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعواناً وأنصاراً)، وحينها تنزل رحمة الله الواسعة على أولئك الغرباء فيعوِّضهم الله في هذه الغربة فضلاً ربانياً وهو مضاعفة الأجور لهم أضعاف أجور بعض الأولين.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

صحيفة النبأ - العدد 40 إن تنصروا الله ينصركم ما من موقف من مواقف التوكل على الله يمر به ...

صحيفة النبأ - العدد 40
إن تنصروا الله ينصركم

ما من موقف من مواقف التوكل على الله يمر به المؤمنون إلا ويعقبه تأييد ونصر من الله يثير إعجاب المتوكلين قبل غيرهم، وما من موقف من مواقف العُجب والاتكال على الأسباب المادية إلا وتعقبه هزيمة وانكسار للمؤمنين على أيدي أعدائهم، فالقضية في الحالتين تعتمد على نصر وتأييد من الله لا على كثرة أو قلة، وإن كانت القلة والضعف من موجبات زيادة التوكل على الله والالتجاء إليه، مما يستجلب به النصر.

وإن للمسلمين في كل زمان ومكان مثالين ذكرهما القرآن الكريم، وهما حال المسلمين في غزوتي بدر وحنين، فعن الأولى قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، وعن الثانية قال سبحانه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، ففي بدر نَصَر الله عباده المستضعفين رغم قلتهم وضعفهم، وفي حنين كادوا أن يُهزموا وولى كثير منهم الأدبار، رغم كثرتهم وقوتهم، ورغم وجود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم، وذلك ليعلمهم الله -عز وجل- أن لا يتوكلوا على ما أعطاهم من أسباب القوة التي لم تغن من قبل عن أعدائهم شيئا، فهُزموا على أيدي القلة المؤمنة في بدر وسواها.

وإننا وجدنا في زمننا هذا كثيرا من المشاهد المشابهة لحال المسلمين في بدر وحنين، فكم من غزوة خاضها الموحدون وهم قلة ضعفاء ففتح الله عليهم، وكم من غزوة دخلوها بكثرة عدد وعدة، فعادوا منها مكسورين مثقلين بالجراح والهموم.

ولنا في غزوة فتح مدينة الموصل مثال حي، إذ فتحها الله على أيدي عدد قليل من الموحدين لا يكفي لفتح حي من أحيائها بالحسابات العسكرية البحتة، فكان مقابل كل فرد من المجاهدين مائة أو يزيدون من جنود الطاغوت، مدججين بالسلاح والدروع، ولكن هزمهم الله ففروا تاركين وراءهم الأرض والمقرات والسلاح والمال، بل وتبعهم جنود الدولة الإسلامية يطاردونهم في المناطق الأخرى حتى فتح الله على أيديهم مساحات عظيمة واسعة لم يحكموا مثلها من قبل.

ولنا في صمود المجاهدين في الفلوجة مثال آخر، إذ ثبّتهم الله -عز وجل- في المدينة المحاصرة تسعة أشهر أو يزيد، والمشركون يحيطون بهم من كل جانب، يمنعون عنهم الطعام والسلاح والدواء، وهم راسخون في مواضعهم رسوخ الجبال، يغيرون على ثكنات أعدائهم فينكّلون فيهم ويغنمون منهم، والمشركون خائفون من الدخول عليهم، عاجزون عن مهاجمتهم إلا بإطلاق القذائف من بعيد، ولم يدخلوا المدينة إلا بعد أن حشدوا لها عشرات الألوف من مقاتليهم، فلم ترهب المجاهدين تلك الجموع، واستمروا في الدفاع عن بيضتهم فلا يتركون بستانا ولا شارعا إلا بعد أن تسيل دماء الروافض فيه أنهارا، واستمروا على ذلك لأسابيع والمشركون يتمنون الأماني أن يخرجوا فيتوقف استنزافهم، فلم يحققوا لهم تلك الأمنية حتى أنهوا ما بأيديهم من عتاد وذخيرة، أنفقوها فَلْقاً لهام الأعداء وتمزيقاً لصدورهم.

واليوم يكرر هذا الأمر أسود التوحيد في سرت ومنبج، فرغم إحاطة جموع المرتدين بهم، وشدة القصف الذي ينالهم، لم يعطوا الدنية في دينهم، ولم يسمع أحد منهم رغبة في انسحاب أو تراجع، بل هم عازمون على أن لا تُحكم الأرض التي بأيديهم بغير شرع الله، أو يهلكوا دون ذلك، أما أعداؤهم فقد أضناهم الحصار، وكثرت في صفوفهم الجراحات والهلاك، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، وكلٌّ يتّهم شريكه وحليفه أنه أورده بدفعه لحصار الموحّدين موارد الهلاك.

لقد أظهر الله بما فتحه على أيدي جنود الخلافة وبما ثبّتهم في مواطن كثيرة آيات جليّات من نصره لعباده مهما كان عدوهم من القوة والمنعة، ومهما كانوا من الضعف والقلة، فكرّروا بذلك قصص أجدادهم من الصحابة والتابعين الذين أذلّ الله على أيديهم طواغيت العرب والعجم، وفتح عليهم بلاداً لم يطؤوها من قبل في سنوات قليلة، وأدخل بنصرهم وفتوحاتهم الناس في دين الله أفواجا، وأسقط تحت أقدامهم عرشي كسرى وقيصر، وكل ذلك عندما تتشابه القلوب، وتتشابه الغايات، فلم يقتصر نصر الله على قرن من المسلمين دون قرن، ولا على جيل من الموحدين دون جيل، بل هو لكل الذين آمنوا في كل زمان ومكان، بشرط أن ينصروا الله بقلوبهم وأقوالهم وأفعالهم، كما وعد سبحانه {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ
...more

خسائر الحملة النيجيرية على غابات (ألغارنو) خلال عشرة أيام من 16 إلى 26 رجب ▪ جبهات ...

خسائر الحملة النيجيرية على غابات (ألغارنو)
خلال عشرة أيام من 16 إلى 26 رجب

▪ جبهات القتال

بلدة (بنيشيك)
بلدة (بوني)
بلدة (دامبوا)
بلدة (غونيري)

▪ القوات المشاركة:

الجيش النيجيري
الميليشيات

▪ 7 عمليات

3 عبوات ناسفة
3 صولات واشتباكات
1 عملية استشهادية

▪ النتائج

مقتل وإصابة 130 عنصرا بينهم "قائد كتيبة"
تدمير وإعطاب 12 آلية متنوعة
فرار القوات النيجيرية من المنطقة

◾ أبرز الهجمات:

16 رجب
مقتل وإصابة 13 عنصرا من الجيش والميليشيات وإعطاب آليتين بتفجير عبوة ناسفة على تجمع لهم في بلدة (بورسو)

23 رجب
مقتل وإصابة أكثر من 30 عنصرا باشتباكات عنيفة قرب بلدة (غولديري) أثناء محاولتهم التقدم نحو مواقع المجاهدين.

26 رجب
مقتل وإصابة أكثر من 90 من الجيش والميليشيات بينهم "قائد كتيبة" وتدمير وإعطاب 10 آليات بعملية استشهادية بسيارة مفخخة قرب بلدة (أبيما)


- المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 480
السنة السادسة عشرة - الخميس 30 رجب 1446 هـ
إنفوغرافيك العدد
...more