دين الإسلام وجماعة المسلمين (3) [1/2] آيتان في كتاب الله -جل وعلا- لا يُعرض عن تدبّرهما ...

Since 2025-02-01
دين الإسلام
وجماعة المسلمين (3)

[1/2]
آيتان في كتاب الله -جل وعلا- لا يُعرض عن تدبّرهما وتأويلهما مَن مَنَّ الله عليه بنعمة من عنده إلا كان إعراضه حسرة عليه في الدنيا والآخرة، قال الله، جل وعلا: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، وقال جلّ وعلا: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].

قال الربيع رحمه الله في تأويل قوله {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}: «أخبرهم موسى -عليه السلام- عن ربه -عز وجل- أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم في الرزق وأظهرهم على العالمين»، وقال سفيان الثوري، رحمه الله: «{لَئِنْ شَكَرْتُمْ} هذه النعمة أنها مني {لَأَزِيدَنَّكُمْ} من طاعتي»، وقال قتادة، رحمه الله: «حق على الله أن يعطي من سأله ويزيد من شكره والله منعم يحب الشاكرين فاشكروا لله نعمه»، وقال جعفر الصادق، رحمه الله: «إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها»، ورُوي مرفوعا: (من أُلهم الشكر لم يُحرم الزيادة).

وأوّل السلف رضي الله عنهم ورحمهم النعمة في قوله {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بأنها القرآن العظيم ونبوّة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل الصالح وإصابة الخير، فهي شاملة لنعمة الدنيا والآخرة، إلَّا أن أعظم نعم الله على الإنسان هدايتُه إلى الإسلام، فبغير هذه النعمة (السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام لله) يكون صدره ضيقا، ومعيشه ضنكا، وسعيه في ضلال، ثم لا يكلّمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم، فيخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما نعمة الجماعة، نعمة الاستخلاف في الأرض، نعمة التمكين للدين، فبغيرها يستضعف المرء ويبتلي ويفتن وتأكله الذئاب ثم يموت ميتة جاهلية، والعياذ بالله.

وأما قوله {فَحَدِّثْ}، فقال عمر بن عبد العزيز، رحمه الله: «إنّ ذِكر النعمة شُكر»، وقال الجريري ويحيى بن سعيد، رحمهما الله: «كان يُقال: إن تعداد النعم من الشكر»، وقال قتادة، رحمه الله: «مِن شُكر النعمة إفشاؤها»، وقال الفضيل بن عياض، رحمه الله: «كان يُقال: مِن شُكر النعمة أن يُحدّث بها»، وقال الحسن بن علي، رضي الله عنهما: «إذا أصبت خيرا فحدّث إخوانك»، وقال أبو نضرة، رحمه الله: «كان المسلمون يرون أن مِن شُكر النعمة أن يُحدّث بها»، وقال ابن أبي الحواري، رحمه الله: «جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى الصباح يتذاكران النعم، فجعل سفيان يقول: أنعم الله علينا في كذا، أنعم الله علينا في كذا، فعل بنا كذا، فعل بنا كذا»!
ورُوي مرفوعا: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب)، و(من أُبلي بلاءً -أي: من أُنعم نعمةً- فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره، ومن تحلّى بما لم يُعط فإنه كلابس ثوبي زور)، و(من أُعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليُثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره).

الله أكبر، كم على الموحد المجاهد أن يشكر ربّه على ما أنعم به عليه بالإسلام والجماعة! فلولا الله، لكان عابدا لطواغيت القصور والقبور، ولولا الله، لكان متّبعا لعلماء الطواغيت ودعاة الجهمية، ولولا الله، لكان مخنّثا ديّوثا قاعداً مع الخوالف، ولولا الله، لكان مقيماً في دار الكفر بين ظهراني الشُّرط والقُضاة والعرفاء والجواسيس والعساكر وغيرهم من المرتدين أو بين ظهراني اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة وغيرهم من الكافرين، ولولا الله، لكان من البغاة أو الخوارج أو غيرهم من أهل الفرق والبدع والضلال.

فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وكم كان الاستضعاف والفتنة والابتلاء شديداً على الموحد المجاهد قبل نعمة الجماعة! فلا مدارس ليدرّس أبناءه فيها، ولا علماء ليطلب العلم عندهم، ولا محاكم ليتحاكم إليها -فهو موحّد، يكفر بمحاكم الطواغيت- ولا مساكن ليسكن فيها آمنا مطمئنا، ولا ديار يلتجئ إليها من الطواغيت ولا معسكرات ليعدّ العدة فيها إلا في الكهوف أو الغابات أو الصحاري بعيدا عن فريضة الجماعة بمفهومها السلفي، أي: الخلافة.

وكان إذا أظهر ملّة إبراهيم بين ظهراني الكافرين والمرتدين ودعا إليها أو سعى في الإعداد والجهاد لإرهاب الأعداء، نام وهو لا يدري أيصبح في البيت مع أهل بيته أم في زنزانة مظلمة تحت الأرض؟.

هكذا كانت حياته، ثم أنعم الله عليه بالجماعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
  • 0
  • 0
  • 7