صحيفة النبأ العدد 49 وليمكننّ لهم دينهم بعد إعلان قيام الدولة الإسلامية في العراق، اختلطت ...

صحيفة النبأ العدد 49
وليمكننّ لهم دينهم


بعد إعلان قيام الدولة الإسلامية في العراق، اختلطت فرحة الموحدين بها مع خوفهم على هذه الدولة الفتية من أن تقتلعها أعاصير الفتن والمحن التي كانت تحيط بها، إلا أن الله تعالى أبقاها وأيّدها لتكون أملا لكل من يريد التمكين لدين الله في الأرض، وتحكيم شريعته في الناس، والذي لا يكون إلا بنصب إمام يسوس الناس بالإسلام، ويأطر الناس على الحق أطرا.

مرّت الأيام، ودخلت الدولة الإسلامية في طور البأساء والضرّاء والزلزلة، حتى قال الناس: زالت دولة الإسلام! فخرج أمير المؤمنين الشيخ أبو عمر البغدادي -تقبله الله- ليعلنها مدويّة: «إن دولة الإسلام باقية»، متحدّيا بذلك الكفرة والمرتدين، ومطمئنا ومثبتا الموحّدين المجاهدين، فثبت ومن معه على هذا الأمر حتى توفاه الله مع ثلة من خيرة إخوانه، وفيهم العديد من الأمراء الكبار على رأسهم وزير الحرب أبو حمزة المهاجر، تقبلهم الله تعالى جميعهم في الشهداء.

حينها أصاب المؤمنين حزن عظيم على فقد إخوانهم وقادتهم، وهمٌّ كبيرٌ على مصير الدولة الإسلامية من بعدهم، ففرّج الله عنهم بأن هداهم لاختيار خليفة للشيخ أبي عمر البغدادي، والذي خرج عليهم بعد حين من الزمن ليعلن لهم وللعالم أجمع أنه على نهج من سبق وصدق -نحسبهم كذلك- في حرصهم على بقاء راية التوحيد مرفوعة شامخة إلى أن يسلمها المجاهدون إلى المهدي، وصدع أمير المؤمنين الشيخ أبو بكر البغدادي -حفظه الله- بأعلى الصوت بأن دولة الإسلام باقية -بإذن الله- لتنزل كلماته فرحا وسرورا على قلوب الموحّدين، وتملأ قلوب المرتدّين والمنافقين غيظا وكمدا من جديد.

ثم جعل الله من بعد عسر يسرا، ومن بعد ضيق فرجا، وامتدت الدولة الإسلامية إلى الشام، فزاد فرح الموحّدين بذلك، وازداد غيظ أعدائها، فطفقوا يحيكون المؤامرات ويستشفعون بالأحياء والأموات إلى أميرها حتى يعود بجنوده إلى العراق، ويتركوا لهم الشام لينفّذوا فيها مشاريعهم الخائبة المهلكة، وصاروا يكتفون من الدولة الإسلامية بوقف تمددها إلى الشام بعد أن يأسوا من إزالة اسمها ومحو ذكرها، فكان ذلك القرار المبارك، الذي أثبتت الأيام توفيق الله لعباده فيه، حين خرج عليهم أمير المؤمنين مجددا، ليعلن أن دولة الإسلام باقية في العراق والشام، بإذن الله، فيعلم الصديق والعدو على حدٍّ سواء أن جنودها تجاوزوا -بفضل الله- كل العقبات دون تمدد الدولة التي دفع ثمن قيامها قوافل من الشهداء، وأن هدفهم القادم سيكون ترسيخ حالة جديدة من الجهاد تتجاوز المرحلة السابقة، والتمهيد لإقامة خلافة على منهاج النبوة، تقسم الأرض إلى فسطاطين، والتحضير لجعل العالم كله ساحة معركة مفتوحة مع الكافرين.

واستجاب الله تعالى دعاء الموحّدين، ومكّن لعباده الذين استُضعفوا في الأرض، وأعاد بهم الخلافة، وأعلى بهم راية الدين، وصارت الدولة الإسلامية مصدر تهديد للكفرة والمرتدين في العالم أجمع بعد أن كان خطرها عليهم لا يتجاوز أجزاء من العراق ومساحات من الشام، وضج قادة الفصائل والأحزاب من إعادة الخلافة خوفا وفَرَقا على مناصبهم السخيفة، وأسماء تنظيماتهم المهترئة، واستنفر معهم الطواغيت سحرتهم وأحبارهم ليحرّضوا الناس عليها، ويحذروهم منها، وكلّهم أمل أن يتراجع مجاهدو الدولة الإسلامية عن إقامتهم الخلافة، ويكفّوا عن التحريض على حل الفصائل، ويتوقف أمير المؤمنين عن قبول البيعات من مشارق الأرض ومغاربها، قانعين ببقاء الدولة الإسلامية في العراق والشام.

واليوم يؤمّل الكفرة والمرتدون أنفسهم من جديد بزوال الخلافة، مع يقينهم باستحالة إزالة الدولة الإسلامية -بإذن الله- بعد أن تعلموا ذلك من تجاربهم السابقة معها، فهل يرقبون من الدولة الإسلامية اليوم أن تؤكّد لهم من جديد، وبيقين مصدره ثقة كبيرة بالله تعالى ووعده لعباده الموحّدين بالنصر والتمكين، أنها باقية -بإذن الله- برايتها النقيّة من الشرك، ومنهجها الخالي من البدع، وولاء جنودها لأهل الإسلام، وبراءتهم من أهل الشرك والأوثان، وحربها على المشركين بالشدة والغلظة، وإقامتها لما أوجبه الله عليها من الدين، وسعيها الدائم لتحقيق التمكين في الأرض، وتحكيم الشريعة على كل البشر، فيكون الدين كله لله.

نعم إنها باقية، وستبقى بإذن الله، حتى تجبر الروم على صلحها، وتقاتلهم على غدرهم، وتفتح أرضهم، ويكسر جنودها صلبانهم، ويقاتل آخرهم الدجال جنديا في جيش عيسى بن مريم -عليهما السلام- وسيعلم الذين كفروا أي منقلب ينقلبون.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

المثبطون قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ ...

المثبطون

قال الله تعالى:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا (18)} [سورة الأحزاب]

"فوصف المثبطين عن الجهاد -وهم صنفان- بأنهم إما أن يكونوا في بلد الغزاة أو في غيره:
- فإن كانوا فيه عوقوهم عن الجهاد بالقول أو بالعمل أو بهما.
- وإن كانوا في غيره راسلوهم أو كاتبوهم: بأن يخرجوا إليهم من بلد الغزاة ليكونوا معهم بالحصون أو بالبعد..

• {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ (19)}
وهذا السلق بالألسنة الحادة يكون بوجوه:

▪ تارة يقول المنافقون للمؤمنين:
هذا الذي جرى علينا بشؤمكم؛ فإنكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين وقاتلتم عليه وخالفتموهم؛ فإن هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة.

▪ وتارة يقولون: أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت وإلا فلو كنا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا.

▪ وتارة يقولون: أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو وقد غركم دينكم كما قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

▪ وتارة يقولون: أنتم مجانين لا عقل لكم تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم.

▪ وتارة يقولون: أنواعا من الكلام المؤذي الشديد."

[مجموع الفتاوى] لابن تيمية -رحمه الله-


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 482
السنة السادسة عشرة - الخميس 14 شعبان 1446 هـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

صحيفة النبأ العدد 482 المقال الافتتاحي: في الأصل لا الحاشية! (٢/٢) ومن جملة إخفاقات الإمارة ...

صحيفة النبأ العدد 482
المقال الافتتاحي:
في الأصل لا الحاشية!

(٢/٢)
ومن جملة إخفاقات الإمارة في ترقيع حربها على التوحيد، أنها جمعته في سياق واحد مع اعتراضها على إعلان "المحكمة الجنائية" فرض عقوبات بحق بعض قادتها، واستجدائها رفع "القيود السياسية المفروضة على حكومتها"، فهل هذا خطابُ كافرٍ بالمحكمة الدولية أم خاضع لها معتدٍّ بها متأثرٍ بتقييماتها؟! إنّ هذا نموذج واحد فقط لرسوب طالبان في اختبار التوحيد العملي بعيدا عن خدعة "الحواشي والزيادات" فمشكلتها مع "الأصل" لا الحاشية!

وإنّ التلويح الصليبي بفرض عقوبات على بعض قادة طالبان رغم كل قرابين الطاعة التي ذبحوها على النُّصب الأمريكية، هو أمر متوقع في سياق الابتزاز والضغط المتواصل، ضمن سياسة صليبية معروفة في "تعميد" الناكثين وامتحان ردتهم وتعميق هوّة انحرافهم، وسيتعمّق هذا الابتزاز ويمتد ليطال كل "الحكومات الجهادية" المرتدة مصداقا لقوله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وإنّ ما يجهله هؤلاء أنّ مسك العصا من المنتصف بين الإسلام والكفر كفر بعينه، وأنّ التمايز لن يترك للرماديين موضع قدم، وأنّ القادم أسود أو أبيض شاء المتلونون أم أبوا، إنه دين الله تعالى وشرعه وتوحيده الذي لا يقبل القسمة على اثنين فما هو حق لله تعالى لن يكون حقا لغيره سبحانه.

وإنّ من جملة إخفاقات الميليشيا في معركة الترقيع قولها إنه "لو كان لديها مشكلة مع مفهوم توحيد الله بالعبادة، لما اكتظت مكاتب أفغانستان بكتب العقيدة الإسلامية!" وهل فرغت مكاتب آل سلول من كتب العقيدة الإسلامية ومتونها الأصلية وهم أعدى أعدائها وأئمة الكفر في حربها وتحريفها! {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}.

إنّ العقائد لا تحفظ في متون الكتب وبطونها، إنما تصونها الدماء -وتصون الدماء- في ميادين القتال والمراغمة، وترسم خارطة الطريق في الحكم والعلاقات والولاءات، يحتكم إليها المسلمون دوما وأبدا دون غيرها ولا يعدلون أو يخلطون بها سواها، ولا يستبدلونها بالشورى الأمريكية نعني "الديمقراطية".

إنّ شواهد حرب طالبان وأخواتها على التوحيد مستفيضة عملية في الميدان ولا يزيدها منع كتاب أو كتابين أو حذف سطر أو اثنين، ولا يغفره التمسّح بتضحيات الأفغانيين، بل من الخيانة لها أنْ تُمنح ثمرتها لحكومة ديمقراطية تحتكم لنفس الدساتير التي ينافح عنها طواغيت الحكم الجاهلي؛ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 482
السنة السادسة عشرة - الخميس 14 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

صحيفة النبأ العدد 482 المقال الافتتاحي: في الأصل لا الحاشية! (١/٢) أمام الضجة الكبيرة التي ...

صحيفة النبأ العدد 482
المقال الافتتاحي:
في الأصل لا الحاشية!

(١/٢)
أمام الضجة الكبيرة التي أثارها قرار طالبان منع "كتاب التوحيد" والصدمة التي أحدثها ذلك في الأوساط الجهادية الموالية لطالبان؛ لم يكن أمام الميليشيا إلا محاولة تبرير ذلك بترقيعٍ متداعٍ جاء معتمدًا بالكلّية على بثوث "فقهاء التراجعات" واستعارةً لوحي شياطينهم الذي لم يصمد أمام صواعق الحق المرسلة.

وكان لافتًا امتعاض الميليشيا من وصف البعض لها بـ "القبورية" والحقيقة أنّ هذا الوصف هو تقزيم لجرمها وتقنين لانحرافها، فالقبورية وما اتصل بها هي مشكلة عقدية واحدة من جملة مشاكل "الإمارة الجاهلية" التي بنت حكمها على الديمقراطية والاعتراف بالمواثيق الدولية والانخراط في "مكافحة الإرهاب" شأنها شأن أيّ حكومة مرتدة، كما ينبغي لطلاب التوحيد الحذر من حصر انحراف طالبان في "القبورية".

كما ينبغي الانتباه إلى أنّ آفة عصرنا اليوم ليست في "القبورية" كما كان عليه الحال في حقب تاريخية سابقة، بل آفة عصرنا في الحكم الديمقراطي الذي يساوي بين الخالق والشعب! ويجعل الأخير مصدرا للتشريع!، آفة عصرنا في تعطيل الشرع واستبداله بالدساتير الوطنية التي صارت منتهى غاية الجهاديين الثوريين وأمارة نجاح تجاربهم وثوراتهم!

ولعل من أقبح ما بررت به "الإمارة الديمقراطية" موقفها من كتاب التوحيد؛ نسبة القرار إلى "وزارة إعلامها" كإجراءٍ رسميٍّ قاسته على إجراءات وزارات إعلام "نظرائها" في حكومات الردة، وهي حتى في تبريرها هذا، لم تستطع أنْ تخرج عن عباءة الحكومات المرتدة والتزيّي بزيّها والتأسي بسياساتها قولا وفعلا، فأدانت نفسها من حيث لا تدري! ورسّخت ما تفانت لتنفيه عن نفسها، حتى أنها استعارت نفس "المبررات والعبارات" التي تدرجها حكومات الردة في بياناتها وتصدّرها مؤتمرات "مكافحة الإرهاب" بقولها: "إنّ ما ترفضه الإمارة أنْ يُستغل اسم الإسلام وتوحيد الله، لأغراض سياسية وحزبية وغيرها.." وكأنك تقرأ بيانا لوزارة الداخلية السلولية التي أضمرت "الإمارة" قياس موقفها بمنع الكتاب؛ بمواقف مشابهة لحكومة آل سلول، في طفرة حديثة تنسب السلفية وتُحاكمها إلى مواقف طواغيت آل سلول وبلاعمتهم، في حرب تشويه مقصودة مرصودة على العقيدة السلفية في زمن طغيان اللوثة الإخوانية التي ألجمت الحركات الجهادية إلجاما.

وكان من جملة ترقيع الإمارة لموقفها الجاهلي، تصريحها بأنّ مشكلتها كانت مع "حواش وزيادات رأت أن فيها غلوا وإفراطا، وليس لمخالفتها مضمون الكتاب أو معارضته لجوهره" وهو تبرير تلقّفته من جوقة "فقهاء التراجعات" الذين صنعتهم "الحوزة الخليجية" لتدوير الجهاديين الناكثين وإعادة استخدامهم في حرب المجاهدين!، وفات هؤلاء جميعا أنّ الحكم على طالبان لا يحتاج للنظر في كتاباتها وتبريراتها ولا استعاراتها، فسلوكها العملي على الأرض يكفي للحكم عليها.

والناظر لاحمرار وانتفاخ أوداج الإمارة الشيطانية وهي ترقّع حربها على التوحيد، يلحظ كيف خصّت بخطابها الدولة الإسلامية -التي تسمّيها بمسميات قاموس البنتاغون للمصطلحات الإعلامية- مع أنّ أطرافا كثيرة أخرى انبرت للرد على طالبان، بل إنّ الدولة الإسلامية لم تتطرق للأمر في إعلامها الرسمي قبل هذه اللحظة، ومع ذلك لم يثر حفيظة طالبان غير الدولة الإسلامية التي بمحاربتها؛ نالت الإمارة الوطنية -ومثلها الإدارة السورية- أوراق الاعتماد الدولية.

نعم، فما اعترف به خطاب "الإمارة" ونَطقه رغمًا عنها، أنّ الدولة الإسلامية رأس حربة في نصرة التوحيد، وهي المتن والحاشية والميمنة والميسرة والطليعة في الدفاع عنه، وتحت ظلاله وعلى عتباته جادت بخيرة أمرائها وجيوش أبنائها البررة الذين أمهروا التوحيد دماءهم وأفنوا لأجله زهرة شبابهم في السجون التي تتنافس وتتسابق "الإمارة والإدارة" لحراستها خدمة وتقرّبا لقيصر وأتاتورك!

أيها الدراويش الديمقراطيون، إن التوحيد الذي تحمله الدولة الإسلامية وتطبقه في عسرها ويسرها، هو الذي لأجله جلبتكم أمريكا إلى طاولة المؤامرات عليه، وأدخلتكم بيت الطاعة لحربه، إنه التوحيد الذي تترزقون به على الموائد الصليبية والدولية، بينما تدفع الدولة الإسلامية أثمانا أخدودية لحفظه ونصرته والموت تحت رايته عبيدا لله تعالى، فهذه هي الحرية وما عداها باطل.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 482
السنة السادسة عشرة - الخميس 14 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

وبِالْوالِديْنِ إِحْسانًا [2/2] فبر الوالدين، والامتناع عن عقوقهما والتعدي عليهما، حق واجب على ...

وبِالْوالِديْنِ إِحْسانًا

[2/2]
فبر الوالدين، والامتناع عن عقوقهما والتعدي عليهما، حق واجب على كل مسلم، ولا يمنع من أداء هذا الحق إليهما كونهما من عصاة المسلمين الذين يرتكبون الذنوب والآثام، مع بقائهما على التوحيد، بل ولا كونهما من المشركين بالله -من غير المرتدين والكفرة المحاربين- فعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: «قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: وهي راغبة، أفأصل أمّي؟ قال: (نعم صلي أمّك) [متفق عليه]، وقد قال بعض أهل التفسير إن آية: {لا ينْهاكُمُ اللّهُ عنِ الّذِين لمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أنْ تبرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِليْهِمْ إِنّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الممتحنة: 8]، نزلت في أسماء وأمها.

ولكن وجوب بر الوالدين ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف، لا يعنيان بحال موافقتهما في شركهما أو طاعتهما في معصية الله -عز وجل- والعياذ بالله، بل يبرأ المسلم من والديه المشركين وما هما عليه من الشرك، كما فعل إمام الموحدين إبراهيم -عليه السلام- قال تعالى: {وما كان اسْتِغْفارُ إِبْراهِيم لِأبِيهِ إِلّا عنْ موْعِدةٍ وعدها إِيّاهُ فلمّا تبيّن لهُ أنّهُ عدُوٌّ لِلّهِ تبرّأ مِنْهُ إِنّ إِبْراهِيم لأوّاهٌ حلِيمٌ} [التوبة: 114]، ويخالفان في دعوتهما إلى الشرك بالله، كما أمر سبحانه: {وإِنْ جاهداك على أنْ تُشْرِك بِي ما ليْس لك بِهِ عِلْمٌ فلا تُطِعْهُما} [لقمان: 15]، ومثله الأمر بعدم طاعتهما فيما فيه معصية لله جل جلاله، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله) [رواه أحمد].
فعن أبي عثمان: أن سعدا قال: «نزلت هذه الآية فيّ: {وإِنْ جاهداك على أنْ تُشْرِك بِي ما ليْس لك بِهِ عِلْمٌ فلا تُطِعْهُما} [لقمان: 15]، قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب حتى أموت، فتُعيّر بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين -والله- لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني، إن شئت فكلي أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك، أكلتْ» [سير أعلام النبلاء].

وإننا لنعلم أن بعض الآباء والأمهات يصدون أبناءهم عن الجهاد في سبيل الله، ويمنعونهم من الهجرة إلى ديار الإسلام، ويهددونهم بالغضب عليهم إن خالفوا أوامرهم في ذلك، والجواب على ذلك أن لا طاعة على الابن لهما في ذلك، بل الواجب عليه أن يهاجر ويجاهد في سبيل الله، ليؤدي ما عليه من حق لله تعالى، فحقوقه سبحانه مقدمة على حقوق العباد، مع استمرار البر لهما، والدعاء لهما بالهداية.

وإن من أعظم البر للوالدين دعوتهما إلى الحق وترك المعاصي والذنوب، باللين والموعظة الحسنة، مع التزام جانب الإحسان في التعامل معهما، لأن ذلك من أهم موجبات قبولهما الدعوة، قال تعالى: {ادْعُ إِلى سبِيلِ ربِّك بِالْحِكْمةِ والْموْعِظةِ الْحسنةِ وجادِلْهُمْ بِالّتِي هِي أحْسنُ} [النحل: 125]، والرفق ما كان في شيء إلا زانه، فالكلمة الطيبة وقعها في النفوس طيب جميل الأثر، فلا ينبغي التكبر عليهما في دعوتهما ولا مسبّتهما في نصحهما.

وليجعل الأبناء نصب أعينهم هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعوة عمّه (الذي هو بمثابة الأب) حتى آخر لحظات حياته، فقد روى البخاري عن ابن المسيب، عن أبيه، أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل، فقال: (أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: «يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟» فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: «على ملة عبد المطلب»، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لأستغفرن لك، ما لم أُنْه عنه)، فنزلت: {ما كان لِلنّبِيِّ والّذِين آمنُوا أنْ يسْتغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين ولوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بعْدِ ما تبيّن لهُمْ أنّهُمْ أصْحابُ الْجحِيمِ} [التوبة: 113]. ونزلت: {إِنّك لا تهْدِي منْ أحْببْت} [القصص: 56].
ومن الجدير بالمجاهد في سبيل الله أن يكون أبر الناس بأبويه، وأبعد الناس عن عقوقهما وإيذائهما، لأنه من أكثر الناس سعيا إلى تكميل إيمانه، الذي لا يمكن أن يكتمل مع ارتكاب كبيرة العقوق، وعليه أن يعلم أن جهاده وقتاله في سبيل الله لن يرفعا عنه إثم تضييع حقوق غيره عليه، وعلى رأسهم الوالدين، حتى وإن كان والداه من المعارضين لخروجه، خوفا عليه، أو حرصا على دنياه، فإن ذلك لا يمنعه من صلتهما، والإحسان إليهما، ودعوتهما إلى الحق، والدعاء لهما بالرحمة في الدنيا والآخرة ما داما على الإسلام.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [1/2] • قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز بين طاعته ...

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

[1/2]
• قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز بين طاعته وعدم الإشراك به وشكره وبين بر الوالدين والإحسان إليهما، كما في قوله سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، فقرن بين شكره على نعمه، وشكر والديه على معروفهما، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83]، وقوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، فقرن سبحانه بين توحيده وعبادته والإحسان إلى الوالدين.

كما إن كثيرا من الأحاديث النبوية حثت على بر الوالدين، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)» [متفق عليه].

وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)».

وإن هذا البر الواجب بحق الوالدين يكون أوكد في حالة بلوغهما أو أحد منهما سن الكبر، وذلك لأن الإنسان إذا هرم زادت حاجته إلى من يعوله ويقوم على حوائجه، كما تزداد الحاجة إلى الصبر عليه لما يعتريه من ضعف في الفهم والعقل، كما قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]، وقال سبحانه: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5].

ولذلك نجد أن الله تعالى قد خص حالة الكبر بالذكر، فقال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24]؛ قال القرطبي: «خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر. وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أُمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم من كل عيب فقال: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]».

وإذا عُرف هذا، وجب على الابن البار الساعي لمرضاة ربه تعالى تجنب كل ما قد يسيء إلى والديه من قول أو فعل، وبذل ما في استطاعته في سبيل الإحسان إليهما ورد شيء من معروفهما عليه، وإن كان ذلك صعب الإدراك خاصة في جانب الأم التي برها آكد من بر الأب، والدليل أن خصّها الله تعالى بذكر أتعابها منذ الحمل وحتى الوضع والإرضاع، قال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وقال أيضا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقد تقدم ذكر حديث «أمك ثم أمك ثم أمك».

وأما عقوق الوالدين فقد عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر؛ فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...)» الحديث [رواه البخاري].
ولما كان بر الوالدين سببا لدخول الجنة، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مغبة إضاعة الولد حقوق والديه فيوصد بعقوقه لهما هذا السبب، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة)» [رواه مسلم].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

من صفات علماء السوء [3/3] • خامساً: التأثُّر بالتخذيل والإرجاف والتهديد، والحَيْدة عن الحق ...

من صفات علماء السوء

[3/3]
• خامساً: التأثُّر بالتخذيل والإرجاف والتهديد، والحَيْدة عن الحق بسببه

وهذا أيضاً من صفات علماء السوء: الرجوع عن الحق بعد تيقُّنه وإظهار الباطل انصياعاً وخنوعاً لأهواء الطواغيت كي تسلم لهم دنياهم، فما أعظمها من جريمة! وما أشدَّها من خيانة!

كما في قصة بلعام بن باعوراء وهُوَ رجل من مَدِينَة الجبارين، لو اجتمع علماء السوء في زماننا كلهم ما بلغوا عُشْرَ علم بلعام، إذ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- عنه: «وكان يعلم اسمَ الله الأكبر» [تفسير ابن أبي حاتم]، ما يشير إلى مرتبة عالية في العلم، وقال بعض السلف: «كان مُجاب الدعوة ولا يسأل اللهَ شيئا إلاّ أعطاه إياه...» ومع هذا فلما زاغ عن المنهج، وراغ عن الحق الأبْلج، شُبِّه بالكلب!

وذلك أن موسى -عليه السلام- لما نزل بالجبارين، أتى بلعامَ بنو عمه وقومه فقالوا: «إن موسى رجل جديد، ومعه جنود كثيرة وإنّه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه»؛ قال: «إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي»، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخ ما كان عليه [تفسير ابن أبي حاتم]، قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175-176].

فبلعام {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} سكن إلى الدنيا وإلى ملذاتها، معرضاً عن آيات الله، حتى غلب عليه هواه كالكلب لاهثاً أبداً.

عن مجاهد قال: «مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه» [تفسير الطبري]، وقال القرطبي: «وهذا المثل في قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام في كل من أوتي القرآن فلم يعمل به» [تفسير القرطبي]، وما أكثرهم في زماننا.

وهذه بعض الصفات التي بيّنها الله تعالى لعلماء السوء ليفضحهم، ويذكّر عباده باجتنابهم، وعدم السماع منهم، أو الأخذ عنهم، ونجد أنه -سبحانه- ذكر وصفهم ولم يسمّهم بالعلماء رغم معرفتهم بأحكام الله، ولكنهم لما فقدوا الخشية من الله، وتركوا العمل بما عرفوا، لم ينفعهم علمهم، بل كان سببا في لعنهم في الدنيا والآخرة، ووصفهم بأبشع الأوصاف، وإدخالهم في نار جهنم، بل وجعل الله اتباع الأحبار والرهبان -وهم سلف علماء السوء المحرّفين لدين الله- وطاعتهم في كفرهم شركا أكبر مخرجا من الملة، كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، فلا يُعذر أحد في كفره بتقليده لعلماء الطواغيت، بل الواجب على كل إنسان أن يجتهد في طلب الحق والعمل به، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

من صفات علماء السوء [2/3] ثالثاً: الصّدّ عن سبيل الله إن عالم السوء بسلوكه طريق الضلال ...

من صفات علماء السوء

[2/3]
ثالثاً: الصّدّ عن سبيل الله

إن عالم السوء بسلوكه طريق الضلال والفساد يحرص أشد الحرص على أطر الناس على طريقه وصدهم عن طريق الحق، إذ يخشى أن يُكذِّب فعلُه قولَه إن أظهر للناس الآيات الشرعية دون تلبيس وتدليس، فيعمد إلى التحريف وليّ النصوص ليكون الأمر موافقاً لحاله وهواه، فلذلك تجده يصدّ الشباب عن الجهاد لأنه راكنٌ إلى الدنيا مفتونٌ بالقعود، ولأنه يخشى من الصدع بالحق تراه يلبّس الحق بالباطل ويجعل ذلك أصل دعوته؛ ويظهره على أنه عين الحكمة والكياسة، فلا هو أظهر الحق، ولا هو كتمه واكتفى، بل لبّس وألْبَس، وراغ ودلّس، فقال على الله بغير علم ليصد عن سبيل الله كما فعلت من قبل الأحبار والرهبان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤].

رابعاً: الحِرْصُ الشديد على الدنيا

ما ألجأ علماء السوء إلى إخفائهم الحق وتلبيسهم إلا حب الدنيا والحرص عليها، ولم يُلزمهم أحد أو يكرههم على النفاق والكذب على الله والكفر، بل حرصهم على وظائف الطواغيت ورواتبها أكثر ما تسبب لهم بذلك، فدافِعُ بعضهم هو الحرص على الجاه والقرب من السلاطين، وبعضهم غرّهم خروجهم في الشاشات وما يُعْطَونه مِن أعطيات! فثقُل عليهم الاحتجاب القسري عن الشهرة والأضواء بسبب كلمة حق! فآثَرَ أن يكتم مَا أَنزَلَ اللّهُ -مما لا يريد الطواغيت إظهاره للناس- واشترى به ثمناً قليلاً، وقد قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٤]، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ١٨٧]، وقال ابن القيم: «كل من آثر الدُّنْيَا من أهل الْعلم واستحبها فَلَا بُد أَن يَقُول على الله غير الحق» [الفوائد].

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

من صفات علماء السوء [1/3] كنا قد بيّنّا في مقالة سابقة المفهوم الصحيح لمسمى أولي العلم وذكرنا ...

من صفات علماء السوء

[1/3]
كنا قد بيّنّا في مقالة سابقة المفهوم الصحيح لمسمى أولي العلم وذكرنا أهم الخصائص التي صاروا بها أئمة في الدين، وبان من خلال الشرع أن علماء السوء والضلالة لا يدخلون أبداً في زمرة العلماء مهما حفظوا وصنّفوا، ومهما ذاع صيتهم، بل هم أشبه باليهود الذين علموا ثم كتموا وما عملوا بل ودعوا إلى الضلال، ولكثرة علماء السوء في زماننا الذين دأبوا على تضليل عباد الله فلا بد من ذكر صفاتهم ليكون الناس على بينة من الأمر.

• أولاً: كتمان الحق

إنّ منْ غايات العلم بثّه وبيانه للناس لتعلّق هدايتهم ومصالحهم به، فكان كتمانه وعدم إظهاره من أعظم المحرمات، وأشد الموبقات، ولذلك أخذ الله الميثاق على كل من أعطاه الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ولا يكتم ما يحتاجون إليه، قال الله تعالى: {وإذْ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الْكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكْتمونه فنبذوه وراء ظهورهمْ واشْتروْا به ثمنًا قليلًا فبئْس ما يشْترون} [آل عمران: ١٨٧].

فكان عالم السوء خائناً لدين الله كافراً بنعمة العلم متسببّاً في ضلال الناس، ولذلك قضى الله بلعنه، وجعل لعنة الناس عليه؛ لسعيه في غشّ الخلْق بكتْمان الحق عنهم، قال الله تعالى: {إنّ الّذين يكْتمون ما أنزلْنا من الْبيّنات والْهدىٰ من بعْد ما بيّنّاه للنّاس في الْكتاب أولٰئك يلْعنهم اللّه ويلْعنهم اللّاعنون} [آل عمران: 159].

وإنّ أعظم ما كتمه علماء السوء عن الناس، بيان حال الطواغيت وحكم الله فيهم، إذ قد أمرنا الله باجتناب الطواغيت والكفر بهم، وجعل هذا من أصل التوحيد والإيمان، فلما رأى الناس علماءهم المبرّزين يداهنون الحكام الطواغيت ويصمتون عن شركهم وفسادهم، بل يفتون بجواز الشرك للمصلحة، صار كثير منهم يؤمنون بالطواغيت، ويوالونهم، ويدخلون في دينهم، بل صاروا جنداً لهم، وسبب هذه الردّة كلها كتمان علماء السوء الحقّ ولبْسهم إياه بالباطل.

فالناظر إلى جزيرة العرب مثلاً يجد أن آل سلول ما تجرّؤوا على إظهار كثيرٍ من الكفر والفساد، وما اتّبعهم فئام من الناس على الردة إلا بسبب هيئة كبار العملاء وابن باز وابن عثيمين والفوزان وآل الشيخ المعاصرين وأمثالهم... وذلك بسبب كتْم هؤلاء الحق وعدم تبيينهم حال آل سلول للناس، بل زيادةً في التلبيس: وصفوهم بـ «ولاة الأمر»، وزعموا أنّهم أئمة شرعيّون!

وكتموا عن الخلق حكم المراسيم التشريعية الطاغوتية وحكم إقامة القواعد الصليبية في البلاد وحكم استحلال الربا... فانخدع كثير من الناس بهم، وضلّوا، وارتدوا، فكان لهم نصيب من وزر من تبعهم من الناس، دون أن ينقص من أوزار الأتباع شيئا.

وعين الحال في مصر فسبب ضلال الناس واتباعهم لحسني مبارك ثم السيسي هو شيوخ الأزهر ومدّعو «السلفية»، وكذا سبب ولوج الناس في شرك البرلمانات والانتخابات هم طواغيت الإخوان المرتدين وحزب الظلام، وهذه الصورة نجدها في سائر البلاد.

• ثانياً: التبديل والتحريف في الشرع

ومن سمات علماء السوء أنهم يبدّلون الشرع ويحرّفونه -إن لم يستطيعوا كتمانه- بتأويلات فاسدة للنصوص الشرعية، وصرْفها عن معناها الحق إلى معنى باطل، كما قال تعالى عن اليهود: {يحرّفون الْكلم عنْ مواضعه} [النساء: ٤٦].
ثم ينسبون هذا التحريف والتأويل الباطل إلى الله سبحانه، فهم يحرّفون المعاني المرادة من النصوص إلى معانٍ باطلة ويوهمون الناس أن هذا هو المراد من كتاب الله، فيكون لهم بذلك نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وسلفهم في ذلك اليهود الذين دأبوا على نسبة تحريفهم النصوص لله تعالى، كما قال سبحانه: {وإنّ منْهمْ لفريقًا يلْوون ألْسنتهمْ بالْكتاب لتحْسبوه من الْكتاب وما هو من الْكتاب ويقولون هو منْ عنْد اللّه وما هو منْ عنْد اللّه ويقولون على اللّه الْكذب وهمْ يعْلمون} [آل عمران: 78].

فالنصوص الشرعية الآمرة بالجهاد دأب علماء السوء إلى تحريف معناها القتالي إلى معان أخرى، ليصرفوا الناس عن قتال الكفرة والمرتدين، وفوق ذلك ابتدعوا للجهاد معاني ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي تناقض حقيقة الجهاد، كزعمهم أن الجهاد هو الانتساب إلى جيوش الطواغيت، أو الدخول في العملية الديموقراطية الشركية لمنافسة العلمانيين على منازعة الله في حكمه وتشريعه للأحكام، وغير ذلك من الأفعال المخرجة من الملة التي يحاول أولئك الملاعين إلصاقها بذروة سنام الإسلام.

وكذا النصوص الشرعية الآمرة بالصدع بالحق عمد علماء السوء إلى تعطيلها وعدم العمل بها زاعمين أن الله أمر بذلك! مستدلين بقوله سبحانه: {ولا تلْقوا بأيْديكمْ إلى التّهْلكة} [البقرة: 195].
مع أن المقصود بالتهلكة ترك الجهاد، كما بيّن ذلك الصحابي أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- إذ قال: «فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد» [رواه أبو داود]، فما أقْبح علماء السوء وما أقبح تلبيسهم!


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين [2/2] وأما في العصر العباسي وفي ظل سعي عماد الدين زنكي ...

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين

[2/2]
وأما في العصر العباسي وفي ظل سعي عماد الدين زنكي لتوحيد بلاد المسلمين لمجابهة الصليبيين وطردهم من بيت المقدس، وبينما كان يحاصر دمشق ليتم بها ما عزم عليه، عمد أميرها «معين الدين» أنر لمراسلة الصليبيين مخوفاً إياهم من دخول زنكي دمشق، قال ابن الأثير: «فلما رأى أنر أن زنكي لا يفارقهم، ولا يزول عن حصرهم، راسل الفرنج، واستدعاهم إلى نصرته، وأن يتفقوا على منع زنكي عن دمشق، وبذل لهم بذولاً من جملتها أن يحصر بانياس ويأخذها ويسلمها إليهم، وخوفهم من زنكي إن ملك دمشق»، وقد فزع الفرنجة من ذلك لأن معناه إخراجهم من الشام بالكلية إن اجتمعت ممالك الإسلام تحت ظل الزنكيين، وهو ما حذرهم منه «معين الدين» أنر، ولذا سارعوا إلى نجدته، ففك زنكي الحصار عن دمشق، وبعد أن قدم الفرنجة وفّى لهم «معين الدين» أنر، وسار إلى بانياس مع النصارى ليحاصر قلعتها ومن بها من المسلمين، قال ابن الأثير: «فنازلها معين الدين، فقاتلهم، وضيق عليهم، ومعه طائفة من الفرنج، فأخذها وسلَّمها إلى الفرنج».
وهكذا تحققت مصلحتان للفرنج، أولاهما إبعاد خطر زنكي عن الصليبيين، والثانية أخذهم بلدا من بلاد المسلمين، ومع ذلك وبالرغم من قرب «معين الدين» أنر من الفرنج وما صنعه لأجلهم، إلا أنهم جمعوا حشودهم مع ملك الألمان وحاصروا دمشق سنة ثلاث وأربعين وخمسمئة، مما اضطر «معين الدين» أنر إلى الاستنجاد والاستغاثة بسيف الدين غازي بن زنكي، وهو ابن من استعان أنر بالنصارى عليه قبل سنين، ولكن هذا الأمير لبّى نداءه (رغم خيانة أنر السابقة)، وقدم لنجدة المستضعفين من عوام المسلمين، في دمشق مما دعا الفرنجة للانسحاب وعودة ملك الألمان إلى بلاده.

واستطاع نور الدين زنكي أن يأخذ دمشق بعد ذلك سنة تسع وأربعين وخمسمئة وأن يقضي على حكامها رغم محاولتهم من جديد الاستعانة بالصليبيين [انظر: الكامل في التاريخ].
وأما في عصر المماليك، فقد عمد ملك الكرك الملقب بـ «المغيث» عمر لمراسلة التتار ليعينهم على بلاد المسلمين، فيضمنوا له البقاء في كرسيه، إلا أنه فُضح وكُشفت مساعيه، قال ابن كثير: «ركب الظاهر [يقصد: بيبرس] من مصر في العساكر المنصورة قاصداً ناحية بلاد الكرك، واستدعى صاحبها الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل، فلما قدم عليه بعد جهد أرسله إلى مصر معتقلا فكان آخر العهد به، وذلك أنه كاتب هولاكو وحثه على القدوم إلى الشام مرة أخرى، وجاءته كتب التتار بالثبات ونيابة البلاد، وأنهم قادمون عليه عشرون ألفا لفتح الديار المصرية، وأخرج السلطان فتاوى الفقهاء بقتله»، فكانت عاقبته العزل ثم القتل.

ولو نظرنا إلى زماننا هذا لوجدنا من أمثال هذه القصص الكثير الكثير، من أناس باعوا أنفسهم للصليبيين علانية، وآخرين ظنوا أن بإمكانهم الاستفادة منهم دون أن يخسروا دينهم فكان عاقبتهم أن مضوا في دركات التنازلات عن دينهم فلحقوا بالصنف الأول، وآخرين وقعوا فيما دون ذلك من الإقامة في ديارهم مذلّين مهانين.
وعلى المرء أن يجتهد في عداوة المشركين حتى يعصمه الله من هذه الفتن ويثبّته على الحق.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين [1/2] فرض الله على عباده موالاة المسلمين ومناصرتهم ...

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين

[1/2]
فرض الله على عباده موالاة المسلمين ومناصرتهم وأمرهم بمعاداة المشركين وقتالهم ولكن نجد في كثير من الأحيان من تختلط عندهم الموازين فيصبح الكافر قريبا محبّبا إليهم إذا حقق لهم المصالح بل يصبح أقرب إليهم من المسلمين فيستعينون بأهل الشرك على أهل التوحيد ويوالونهم عليهم في سبيل أن ينالوا لديهم الحظوة والمكانة، وفي التاريخ كثير من القصص التي فيها العبر لأناس وقعوا في مثل هذه الأمور وما دونها.

ففي عصر دولة بني أمية وبعد أن فشل عبد الرحمن بن الأشعث في خروجه على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مستخدما جيشه الذي كان قد رجع عن غزو بلاد الترك بعد صلح عَقَده مع ملكها وكان من قبل منّاه بأنه سيوقف قتاله ويرفع عنه الخراج أبدا قرر ابن الأشعث اللجوء لملك الترك نفسه خوفا من القتل على يد الحجاج قال ابن كثير: «ثم إن ابن الأشعث دخل هو ومن معه إلى بلاد رتبيل ملك الترك، فأكرمه رتبيل وأنزله عنده وأمّنه وعظّمه».

وإنك لتعجب من إكرام رتبيل لرجل كان بالأمس يحاربه وكاد أن يأخذ دياره ولكنه الكيد للإسلام والمسلمين، وهكذا استفاد رتبيل من لجوء ابن الأشعث إليه عبر اشتراطه شروطا تحفظ مصالح دولته مقابل تسليم ابن الأشعث للحجاج قال ابن كثير: «فأرسل إلى الحجاج يشترط عليه أن لا يقاتل عشر سنين، وأن لا يؤدِّي في كل سنة منها إلا مائة ألف من الخراج فأجابه الحجاج إلى ذلك»، وبعد تحقق هذه المصالح ما كان من ملك الترك إلا الغدر بمن لجأ إليه وأحسن فيه الظن، قال ابن كثير: «فعند ذلك غدر رتبيل بابن الأشعث فقيل إنه أمر بضرب عنقه صبرا بين يديه وبعث برأسه إلى الحجاج.. والمشهور أنه قبض عليه وعلى ثلاثين من أقربائه فقيّدهم في الأصفاد وبعث بهم فلما كانوا ببعض الطريق بمكان يقال له الرجح صعد ابن الأشعث وهو مقيد بالحديد إلى سطح قصر ومعه رجل موكل به لئلا يفر، وألقى نفسه من ذلك القصر وسقط معه الموكل به فماتا جميعا فعمد الرسول إلى رأس ابن الأشعث فاحتزه» وهذه نهاية من أحسن الظن بأهل الكفر وهرب ملتجئا إليهم، بعد أن كان وعدهم ومنّاهم ليسهل عليه خروجه على الخليفة، فكيف بمن تولى المشركين من الصليبيين وظاهرهم على المسلمين؟!

ومن أولئك الذين استعانوا بكفار الترك الحارث بن سريج الذي كان من أمره أنه زعم الدعوة إلى الكتاب والسنة بعد خروجه على الأمويين سنة ستة عشر ومائة، قال الطبري: «لما أقبل الحارث إلى بلخ وكان عليها التجيبي بن ضبيعة المري ونصر بن سيار... فدعاهم الحارث إلى الكتاب والسنة والبيعة للرضا»، ويقصد بذلك البيعة لرجل من آل بيت النبي، صلى الله عليه وسلم.
واستمر الحارث في ثورته حتى احتاز بلاداً كثيرة رافعاً شعاره ودعوته، قال الطبري: «فأقبل الحارث إلى مرو، وقد غلب على بلخ، والجوزجان، والفارياب، والطالقان، ومرو الروذ»، ولكنه هزم بعد ذلك عدة هزائم منكرة، فلجأ إلى بلاد الترك مستعينا بملكهم على المسلمين، قال الطبري: «وكان الحارث بن سريج بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان... فأصبح أسد [قائد جيش المسلمين] فصلى وخطب الناس وقال: إن عدو الله الحارث بن سريج استجلب طاغيته ليطفئ نور الله ويبدل دينه والله مذله إن شاء الله»، وجرت معركة حامية الوطيس كان الظفر فيها لأهل الإسلام وأذل الله فيها أهل الكفر ومن تولاهم من المرتدين، قال الطبري: «وعبى خاقان الحارث بن سريج وأصحابه وملك السغد وصاحب الشاش وخرابغره أبا خاناخره جد كاوس وصاحب الختل جبغويه والترك كلهم ميمنة... حتى انهزم الحارث والأتراك وحمل الناس جميعا، فقال أسد اللهم إنهم عصوني فانصرهم وذهب الترك في الأرض عباديد لا يلوون على أحد فتبعهم الناس مقدار ثلاثة فراسخ يقتلون من يقدرون عليه».
وبعد الهزيمة استقر المقام بالحارث بن سريج بدار الكفر مدة إحدى عشرة سنة تقريبا، إلى أن جاءه كتاب أمان من الخليفة يحثه على الرجوع إلى الإسلام وأهله، قال ابن كثير في البداية والنهاية: «وفي هذه السنة [127 هـ] خرج الحارث بن سريج الذي كان لحق ببلاد الترك ومالأهم على المسلمين فمنّ الله عليه بالهداية ووفقه حتى خرج إلى بلاد الشام، وكان ذلك عن دعاء يزيد بن الوليد إلى الرجوع إلى الإسلام وأهله فأجابه إلى ذلك».

ولكن كان القتل نهاية ابن سريج بعدما خرج مرة أخرى ثائرا، ومفرّقا جماعة المسلمين، ليزعم من جديد الدعوة إلى الكتاب والسنة، وهو الذي كان مناصراً للكفار على المسلمين قبل ذلك، قال ابن كثير: «وجاءه مسلمة بن أحوز أمير الشرطة وجماعة من رؤوس الأجناد والأمراء، وطلبوا منه أن يكف لسانه ويده، وأن لا يفرّق جماعة المسلمين، فأبى، وبرز ناحية عن الناس، ودعا نصر بن سيار إلى ما هو عليه من الدعوة إلى الكتاب والسنة فامتنع نصر من موافقته»، وبعد عدة مؤامرات من الغدر والبغي والخروج، قُتل الحارث بن سريج سنة ثمان وعشرين ومائة على أيدي أصحابه من البغاة [انظر: البداية والنهاية].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more

بشّر الصابرين بأن نصر الله قريب لقد خلق الله تعالى العباد، وجعل سنة الابتلاء ماضية فيهم، حتى ...

بشّر الصابرين بأن نصر الله قريب

لقد خلق الله تعالى العباد، وجعل سنة الابتلاء ماضية فيهم، حتى يميز الخبيث من الطيّب، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، فلا تمكين إلا بعد تمحيص، ولا نصر إلا بعد شدة، ولا سرّاء إلا بعد ضرّاء.

والطريق إلى الله -عز وجل- وما أعد للمؤمنين فيه من جزيل عطاء، طريق باهض التكاليف، وهذه التكاليف لا يستطيع دفعها إلا المؤمنون حقا، المعلقة قلوبهم بالله وحده، الثابتون على نهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام، وهم الذين لم يفتنهم الرجال ولا الأسماء، طلبوا الحق فعرفوا أهله، وأهل الحق ليسوا من الذين ذاع صيتهم في الجهاد لعقود، ثم بعدت عليهم الشقة فانتكسوا وارتكسوا وباتوا اليوم من أهل الخذلان والجحود، وليسوا من الذين أفنوا أعمارهم بين المحابر والطروس، ولما صاح البشير أن دولة الإسلام قد قامت فهلّموا أتبعوا العلم بالعمل، ولوا مستكبرين، كأن في آذانهم وقرا.

يقول ابن قيم الجوزية -رحمه الله- واصفا الطريق إلى جنات الخلد: «أين أنت والطريق طريقٌ تَعِب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد» [الفوائد].

فإن كان هذا حال الأنبياء ومنهم أولو العزم -على نبينا وعليهم خير الصلاة وأزكى التسليم- لاقوا ما لاقوا في ذات الله -عز وجل- فصبروا وثبتوا، وأوذوا بسبب دعوتهم إلى التوحيد الخالص أيما أذية، فما وهنوا وما ضعفوا، فكيف بمن هم دونهم؟ ألا يُبتلون فيطهرون، ويُمحَّصون فيُخلِصون؟ وقد سئل الشافعي، رحمه الله: «أيّهما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى؟» فقال: «لا يمكّن حتى يبتلى» [الفوائد لابن القيم].

نعم؛ من لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة، ولا تمكين حتى تعظم الابتلاءات، وتضيق الحلقات، وتشتد الأزمات، لأن الموعود للصادقين والصادقات الجنة، الجنة التي يُرى فيها وجه الله، جل في علاه، أعلى النعم وأغلى الأمنيات، وهل يُدرك ذلك برغد الدنيا، ولذيذ العيش؟ بل قعصا بالرماح تحت ظلال السيوف؛ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214]؛ يقول الطبري، رحمه الله: «فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتَلَوا بما ابتُلُوا واختُبِروا به من البأساء وهو شدة الحاجة، والفاقة، والضراء، وهي العلل، والأوصاب؛ ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف، والرعب شدة وجهد حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا».

ولم يَخفَ ذلك عن هرقل ملك الروم إذ قال لأبي سفيان: «سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول، فكذلك الرسل تُبتلى ثم تكون لهم العاقبة... الحديث» [متفق عليه]، فكيف يخفى عن الموحدين الظانين بالله ظن الخير؟!

وإن هذا الدين غال، والدعوة إلى التوحيد الخالص وإعلاء كلمة الله في الأرض تحتاج إلى تضحيات جسام، كتلك التي قدمها أصحاب الأخدود، الذين استأصل الطاغوت حينها شأفتهم، وأبادهم عن بكرة أبيهم، ولم يبق منهم أحد، وكانوا -من بَعد إيمانهم برب الغلام- يرون الكفار وهم يخدون الأخاديد ويضرمون فيها النيران ليقحموا فيها من يثبت ولا يرتد، غير أن ذلك لم يخدش إيمانهم، ولم يزحزحهم عن دينهم، حتى جاءت امرأة كانت تحمل صبيا وتتقاعس عن إلقاء نفسها في النار، فيقول لها صبيها مثبتا: «يا أمه اصبري فإنك على الحق» [متفق عليه].

وروى ابن أبي شيبة في مصنّفه: عن الحسن قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء».

وقد بوّب البخاري في صحيحه: «باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر»، وأخرج فيه عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: «شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)».
وللصراع بين الحق والباطل ثمن يدفعه المؤمنون، فقد قال الله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111]، وما أعظم تلك الدروس المنتقاة، والعبر المستقاة من غزوة أُحُد، تلك الغزوة التي لم يُقتل فيها وزير، أو أمير، أو قائد، واحد أو اثنان أو ثلاثة أو عشرة، بل قُتل فيها سيد الشهداء حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم- في سبعين من خيرة الصحابة، رضي الله عنهم جميعا، يوم واحد يُقتل فيه هذا العدد من الرجال ويُمثّل بهم، وأي رجال؟ إنهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويوم أُحُد علا صوت الكفر، وانتفش ريش الكفرة وظنوا أن صولتهم تلك دائمة؛ «وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: (لا تجيبوه)، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: (لا تجيبوه)، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا؛ فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك؛ قال أبو سفيان: اعلُ هبل، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه)، قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا: الله أعلى وأجل)؛ قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه)، قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم)» [رواه البخاري].

إذا سيد منّا خلا قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعولُ
وأيامنا مشهورة في عدوّنا
لها غُرر معلومة وحُجولُ

وهل المؤمنون اليوم أكرم على الله من ذاك الرعيل الأول الذين ابتلوا وزلزلوا زلزالا شديدا حتى بلغت القلوب الحناجر؟! ومن يظن أن فتح رومية والقسطنطينية يُدرَك بالكلام لا الكلوم، فهو مختلط موهوم!

ومن هنا يتبين أنه وأمام الابتلاء والتمحيص يصمد المؤمن الموحد، بإذن ربه، وينهار المنافق ومن في إيمانه وهن، فلا تبقى بعدها إلا الصفوة، أولئك الذين صُهر معدنهم ونُقّي من شوائب الدنيا وأدرانها، وحينها... حينها فقط يعلو في نفوسهم صوت الحق، وتأتيهم الإجابة فتنزل بردا وسلاما على قلوبهم: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، فواهاً ثم واهاً لذاك النصر وتلك الفتوح، وإنا لنجد ريح خلافتنا المباركة، وهي تعصف من مشارق الأرض إلى مغاربها، لولا أن يفندونا، فصبر جميل، والله المستعان.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...more
Loading prayer times ...
00:00:00 Time to
23 Shawwal 1446
Fajr 00:00 Dhuhr 00:00 Asr 00:00 Maghrib 00:00 Isha 00:00