قِصَّةُ مُهَاجِرَةٍ قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي ...
قِصَّةُ مُهَاجِرَةٍ
قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 97-100].
وعن عبد الله بن السعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو) [رواه أحمد والنسائي].
وعن معاوية قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)» [رواه أحمد وأبو داود].
ولقد ظلت الهجرة وحتى زمن قريب، حلما يراود كثيرا من الموحدين والموحدات، إلى أن منّ الله تعالى على المسلمين بقيام دولة الإسلام، ففتحت أبوابها لهم، فتوافدوا عليها -وما يزالون- وحدانا وزرافات، كيف لا والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة على كل مسلم ومسلمة.
وللمهاجرات إلى أرض الخلافة قصص وحكايات، هي مزيج من الإقدام والخوف والمغامرات، يخالها السامع أحيانا نسجا من خيال، أو ضربا من مُحال.
أما صاحبة قصتنا فهي أخت موحدة، من اللاتي بعن الدنيا التي جاءتهنّ راغمة، وخرجن يبتغين وجه الله تعالى، نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحدا، هي عربية الأصل، ألمانية المولد والمنشأ، ولدت وكبرت وترعرعت في بلد صليبي محارب للإسلام والمسلمين، ولكنها -ولله الحمد- لم تتلوث بلوثات «المتأسلمين» المقيمين في ديار الكفر الأصلي، الذين يؤمنون بحوار الأديان، ويرون في الكافر «آخر» تجب موادته واحترام دينه ومعتقده، فبقيت تحمل فطرة سليمة لم تدنسها ذلة ولا سلمية.
تزوجت أختنا من شخص كان يحب الجهاد، وكان دائم البحث عن الحق، حتى سخّر الله له بعض الإخوة الذين أخذوا بيده وأناروا له السبيل، فعرف أن الجهاد في زماننا فرض متعين على كل مسلم، وحينها بدأ بالترتيب مع زوجه للخروج إلى أرض من أراضي الجهاد، إما إلى خراسان أو العراق أو الصومال أو الشيشان.
ولكن الخروج من ألمانيا إلى إحدى هذه البلدان حينها كان مغامرة كبيرة، قد تؤدي بصاحبها إلى الاعتقال والسجن، فقرر الزوجان الخروج إلى بلد يكون بمثابة الغطاء لوجهتهما الحقيقية، واختارا الخروج إلى اليمن بحجة طلب العلم، وفعلا، يسّر الله لهما السفر إلى اليمن رفقة وليدهما، الذي كان حينها يبلغ من العمر خمسة أشهر، ثم مكثا هناك سنة ونيّفا، إلى أن منّ الله تعالى عليهما بالهجرة إلى خراسان.
وصلت أختنا مع زوجها وابنها أرض خراسان العصية، حيث أنجبت مولودين آخرين قبل أن يقوم الجهاد في الشام، ويبدأ كثير من المجاهدين في خراسان بالخروج إليها، ولكنّ زوجها كان معارضا لهذا الأمر، وكان يرى في ذلك تفريغا لأرض خراسان -والتي هي بدورها أرض جهاد- من المجاهدين، ولا دار إسلام في الشام -فيما ظهر له لجهله بالواقع حينها- تلزمهم بالهجرة إليها.
وفي تلك الأثناء وقعت فتنة الغدر والخيانة، التي كان خلفها أمير القاعدة في خراسان السفيه أيمن الظواهري، إذ شجع على نكث البيعة وشق الصف، وأعطى لمجموعة الغادرين معه مسمى (تنظيم القاعدة في بلاد الشام).
وكانت أختنا وزوجها في حيرة من أمرهما بسبب ما حصل، غير أن الزوج ما فتئ يسأل ويستفسر باحثا عن الحق، إلى أن تبين له جليا خبث ومكر قيادة القاعدة، وأن ما حدث بينهم وبين الجولاني إنما هو أمر دُبِّر بليل بهيم.
غاب الزوج لأسبوعين متواصلين دون أن يترك وراءه أثرا، وفي تلك الأثناء حوصرت أختنا ومن معها في وزيرستان، ثم وفي ختام الأسبوعين عاد الزوج ليفاجئ أختنا: «تجهزي وجهزي الأطفال... خلال نصف ساعة ستنطلقون نحو الشام!»
كان وقع المفاجأة على الأخت كبيرا جدا، خاصة وأن الأوضاع هناك -حيث هم- كانت صعبة جدا، وأخبرها زوجها أنها ستسافر رفقة مجموعة من الأخوات، أما هو ومَن معه مِن الرجال فسيلتقونهم هناك في الشام، بإذن الله تعالى، حيث سيخرجون من طريق آخر شديد الخطورة، ولا مجال لاصطحاب النسوة والصبية في مغامرة كهذه.
تجهزت الأخت وبنوها وجاءتهم سيارة كبيرة استقلوها جميعا، وكنّ خمسة من النساء وعشرة أطفال، وبدأت رحلة الهجرة إلى الله تعالى... هكذا نحسبهم والله حسيبهم.
كان الجلوس في السيارة التي ضاقت بهم مُضنيا، ولكنّ الهدف من الرحلة كان يستحق التعب والعناء، وصلت المهاجرات وأشبالهن الحدود المصطنعة بين إيران المجوسية، وتركيا العلمانية، وكان المهرّبون قد اشترطوا على النساء أن يعطين أبناءهن منوِّما قدموه لهن، حتى لا يُسمَع لهم صوت أو بكاء عند عبور الحدود إلى تركيا، وقبلت الأمهات بذلك مكرهات على أن يساعدوهن على حمل الأطفال.
دقت الساعة الثانية عشرة ليلا فبدأ المسير، وكان الطريق عبارة عن جبال وعرة المسالك، واستغرق الوصول إلى حدود تركيا يومين كاملين! نعم يومان كاملان من المشي المتواصل وأختنا حافية القدمين، فنعلها قد تمزق بعد نصف ساعة من بدء الرحلة.
كانت الرحلة شاقة جدا، وقد كلفت بعض الأمهات غاليا، فإحدى الأخوات فقدت وليدها خلالها، نعم لقد مات ولدها قبل الوصول إلى حدود تركيا، وأخت أخرى أصيبت رضيعتها بالعمى!
وما إن وصلت قافلة المهاجرات وأبناؤهن الحدود المصطنعة، حتى ألقي القبض عليهم من قبل عساكر الجيش التركي الوثني، والذين أعادوهم نصف المسافة التي قطعوها تقريبا، ثم قالوا لهم عودوا من حيث أتيتم، ولكن المهاجرات ومن معهم عاودوا الكرّة نحو تركيا، وهذه المرة تمكنوا -بفضل الله- من الوصول ثم التسلل داخل تركيا التي مكثوا فيها عشرة أيام في انتظار تأمين طريق إلى الشام.
وفي تلك الأيام العشرة، ذاقت أختنا حلاوة الدنيا من جديد، بعد أن هجرت لذائذها في أوروبا، ورغبت عنها إلى جبال خراسان، حيث الفقر، والخوف، حيث باتت تتجول في المدن الحديثة، وتجرّب من جديدٍ أطعمة وحلويات كانت قد فقدتها منذ زمن طويل، فيما كانت تلك الأيام أول تجربة لأطفالها لهذا النمط المغري من الحياة.
وبقدر الراحة التي شعرت بها وقد اقتربت كثيرا من أرض الدولة الإسلامية، واقترب موعد الوصول إليها، كانت قلقة من البقاء لفترة أطول في تركيا، فتعتاد على هذه الحياة، وتفتنها المغريات، فتصدها عن الهجرة في سبيل الله، ولكنّ الله يسر لهنّ الدخول إلى الشام، فكانت المحنة الجديدة بأن دخلت مع أخواتها إلى المناطق التي تسيطر عليها الصحوات في شمال إدلب، إذ كان عليهن البحث من جديد عن طريق للوصول إلى الدولة الإسلامية.
ثم يسّر الله لزوج إحدى الأخوات التي كانت ضمن المجموعة، أن يدخل إدلب ويجتمع بهم لوضع خطة لإخراجهم من هناك إلى أراضي دولة الإسلام، ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، إذ اعتُقل الأخ خلال الرحلة، من قبل جنود الجولاني والظواهري الذين ارتابوا في أمره، وبقي معتقلا لديهم ثلاثة أيام حتى نجاه الله من أيديهم، فعاد إلى الأخوات وكانت فرحة عظيمة لهنّ، إذ ظنت الأخت ومن معها أنه مقتول لا محالة! ويسر الله لهم الخروج من إدلب باتجاه حلب حيث مكثوا أيضا ثلاثة أشهر.
وهناك بلغ أختنا خبر تعرض زوجها للأسر على حدود إيران، فاسترجعت واحتسبت ذلك عند ربها.
ثم يسر الله لها ولأبنائها الطريق، فخرجوا نحو دار الإسلام المنشودة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الشرع، ينعمون فيها بعز الخلافة سالمين آمنين، ينتظرون عودة ذلك الحاضر الغائب، والحمد لله رب العالمين.
◾ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 46
الثلاثاء 4 ذو الحجة 1437 هـ
قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 97-100].
وعن عبد الله بن السعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو) [رواه أحمد والنسائي].
وعن معاوية قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)» [رواه أحمد وأبو داود].
ولقد ظلت الهجرة وحتى زمن قريب، حلما يراود كثيرا من الموحدين والموحدات، إلى أن منّ الله تعالى على المسلمين بقيام دولة الإسلام، ففتحت أبوابها لهم، فتوافدوا عليها -وما يزالون- وحدانا وزرافات، كيف لا والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة على كل مسلم ومسلمة.
وللمهاجرات إلى أرض الخلافة قصص وحكايات، هي مزيج من الإقدام والخوف والمغامرات، يخالها السامع أحيانا نسجا من خيال، أو ضربا من مُحال.
أما صاحبة قصتنا فهي أخت موحدة، من اللاتي بعن الدنيا التي جاءتهنّ راغمة، وخرجن يبتغين وجه الله تعالى، نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحدا، هي عربية الأصل، ألمانية المولد والمنشأ، ولدت وكبرت وترعرعت في بلد صليبي محارب للإسلام والمسلمين، ولكنها -ولله الحمد- لم تتلوث بلوثات «المتأسلمين» المقيمين في ديار الكفر الأصلي، الذين يؤمنون بحوار الأديان، ويرون في الكافر «آخر» تجب موادته واحترام دينه ومعتقده، فبقيت تحمل فطرة سليمة لم تدنسها ذلة ولا سلمية.
تزوجت أختنا من شخص كان يحب الجهاد، وكان دائم البحث عن الحق، حتى سخّر الله له بعض الإخوة الذين أخذوا بيده وأناروا له السبيل، فعرف أن الجهاد في زماننا فرض متعين على كل مسلم، وحينها بدأ بالترتيب مع زوجه للخروج إلى أرض من أراضي الجهاد، إما إلى خراسان أو العراق أو الصومال أو الشيشان.
ولكن الخروج من ألمانيا إلى إحدى هذه البلدان حينها كان مغامرة كبيرة، قد تؤدي بصاحبها إلى الاعتقال والسجن، فقرر الزوجان الخروج إلى بلد يكون بمثابة الغطاء لوجهتهما الحقيقية، واختارا الخروج إلى اليمن بحجة طلب العلم، وفعلا، يسّر الله لهما السفر إلى اليمن رفقة وليدهما، الذي كان حينها يبلغ من العمر خمسة أشهر، ثم مكثا هناك سنة ونيّفا، إلى أن منّ الله تعالى عليهما بالهجرة إلى خراسان.
وصلت أختنا مع زوجها وابنها أرض خراسان العصية، حيث أنجبت مولودين آخرين قبل أن يقوم الجهاد في الشام، ويبدأ كثير من المجاهدين في خراسان بالخروج إليها، ولكنّ زوجها كان معارضا لهذا الأمر، وكان يرى في ذلك تفريغا لأرض خراسان -والتي هي بدورها أرض جهاد- من المجاهدين، ولا دار إسلام في الشام -فيما ظهر له لجهله بالواقع حينها- تلزمهم بالهجرة إليها.
وفي تلك الأثناء وقعت فتنة الغدر والخيانة، التي كان خلفها أمير القاعدة في خراسان السفيه أيمن الظواهري، إذ شجع على نكث البيعة وشق الصف، وأعطى لمجموعة الغادرين معه مسمى (تنظيم القاعدة في بلاد الشام).
وكانت أختنا وزوجها في حيرة من أمرهما بسبب ما حصل، غير أن الزوج ما فتئ يسأل ويستفسر باحثا عن الحق، إلى أن تبين له جليا خبث ومكر قيادة القاعدة، وأن ما حدث بينهم وبين الجولاني إنما هو أمر دُبِّر بليل بهيم.
غاب الزوج لأسبوعين متواصلين دون أن يترك وراءه أثرا، وفي تلك الأثناء حوصرت أختنا ومن معها في وزيرستان، ثم وفي ختام الأسبوعين عاد الزوج ليفاجئ أختنا: «تجهزي وجهزي الأطفال... خلال نصف ساعة ستنطلقون نحو الشام!»
كان وقع المفاجأة على الأخت كبيرا جدا، خاصة وأن الأوضاع هناك -حيث هم- كانت صعبة جدا، وأخبرها زوجها أنها ستسافر رفقة مجموعة من الأخوات، أما هو ومَن معه مِن الرجال فسيلتقونهم هناك في الشام، بإذن الله تعالى، حيث سيخرجون من طريق آخر شديد الخطورة، ولا مجال لاصطحاب النسوة والصبية في مغامرة كهذه.
تجهزت الأخت وبنوها وجاءتهم سيارة كبيرة استقلوها جميعا، وكنّ خمسة من النساء وعشرة أطفال، وبدأت رحلة الهجرة إلى الله تعالى... هكذا نحسبهم والله حسيبهم.
كان الجلوس في السيارة التي ضاقت بهم مُضنيا، ولكنّ الهدف من الرحلة كان يستحق التعب والعناء، وصلت المهاجرات وأشبالهن الحدود المصطنعة بين إيران المجوسية، وتركيا العلمانية، وكان المهرّبون قد اشترطوا على النساء أن يعطين أبناءهن منوِّما قدموه لهن، حتى لا يُسمَع لهم صوت أو بكاء عند عبور الحدود إلى تركيا، وقبلت الأمهات بذلك مكرهات على أن يساعدوهن على حمل الأطفال.
دقت الساعة الثانية عشرة ليلا فبدأ المسير، وكان الطريق عبارة عن جبال وعرة المسالك، واستغرق الوصول إلى حدود تركيا يومين كاملين! نعم يومان كاملان من المشي المتواصل وأختنا حافية القدمين، فنعلها قد تمزق بعد نصف ساعة من بدء الرحلة.
كانت الرحلة شاقة جدا، وقد كلفت بعض الأمهات غاليا، فإحدى الأخوات فقدت وليدها خلالها، نعم لقد مات ولدها قبل الوصول إلى حدود تركيا، وأخت أخرى أصيبت رضيعتها بالعمى!
وما إن وصلت قافلة المهاجرات وأبناؤهن الحدود المصطنعة، حتى ألقي القبض عليهم من قبل عساكر الجيش التركي الوثني، والذين أعادوهم نصف المسافة التي قطعوها تقريبا، ثم قالوا لهم عودوا من حيث أتيتم، ولكن المهاجرات ومن معهم عاودوا الكرّة نحو تركيا، وهذه المرة تمكنوا -بفضل الله- من الوصول ثم التسلل داخل تركيا التي مكثوا فيها عشرة أيام في انتظار تأمين طريق إلى الشام.
وفي تلك الأيام العشرة، ذاقت أختنا حلاوة الدنيا من جديد، بعد أن هجرت لذائذها في أوروبا، ورغبت عنها إلى جبال خراسان، حيث الفقر، والخوف، حيث باتت تتجول في المدن الحديثة، وتجرّب من جديدٍ أطعمة وحلويات كانت قد فقدتها منذ زمن طويل، فيما كانت تلك الأيام أول تجربة لأطفالها لهذا النمط المغري من الحياة.
وبقدر الراحة التي شعرت بها وقد اقتربت كثيرا من أرض الدولة الإسلامية، واقترب موعد الوصول إليها، كانت قلقة من البقاء لفترة أطول في تركيا، فتعتاد على هذه الحياة، وتفتنها المغريات، فتصدها عن الهجرة في سبيل الله، ولكنّ الله يسر لهنّ الدخول إلى الشام، فكانت المحنة الجديدة بأن دخلت مع أخواتها إلى المناطق التي تسيطر عليها الصحوات في شمال إدلب، إذ كان عليهن البحث من جديد عن طريق للوصول إلى الدولة الإسلامية.
ثم يسّر الله لزوج إحدى الأخوات التي كانت ضمن المجموعة، أن يدخل إدلب ويجتمع بهم لوضع خطة لإخراجهم من هناك إلى أراضي دولة الإسلام، ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، إذ اعتُقل الأخ خلال الرحلة، من قبل جنود الجولاني والظواهري الذين ارتابوا في أمره، وبقي معتقلا لديهم ثلاثة أيام حتى نجاه الله من أيديهم، فعاد إلى الأخوات وكانت فرحة عظيمة لهنّ، إذ ظنت الأخت ومن معها أنه مقتول لا محالة! ويسر الله لهم الخروج من إدلب باتجاه حلب حيث مكثوا أيضا ثلاثة أشهر.
وهناك بلغ أختنا خبر تعرض زوجها للأسر على حدود إيران، فاسترجعت واحتسبت ذلك عند ربها.
ثم يسر الله لها ولأبنائها الطريق، فخرجوا نحو دار الإسلام المنشودة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الشرع، ينعمون فيها بعز الخلافة سالمين آمنين، ينتظرون عودة ذلك الحاضر الغائب، والحمد لله رب العالمين.
◾ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 46
الثلاثاء 4 ذو الحجة 1437 هـ